لم تحظَ باهتمام أبيها فى الحقيقة فحصلت عليه لنفسها فى الصورة. تالا فتاة مراهقة تعيش مع أمها المنشغلة بكتبها ودوراتها حتى أنها تقوم بالقراءة أثناء الطبخ. أما أبوها فمنفصل عن أمها ويسكن فى مدينة أخرى، يسكن فى بيت هو نفسه الأستوديو الخاص به مع ابن زوجته الثانية “جمال” والذى يعمل معه كمساعد له، فأبوها مصور شغوف بعمله شغفاً.
قررت تالا أن تقصر شعرها جداً حتى تلفت نظر أبويها، فالإنسان إذا لم يحصل على الاهتمام الذى يحتاجه وخاصة فى طفولته فسوف يظل لديه جوع للحصول على هذا الاهتمام عندما يكبر وبأى شكل. تعاملت الأم مع الأمر ببرود شديد، أما أبوها فعندما أتى تعجب وضاق بذلك ولكن الأم هدأته قائلة بأن مثل هذه التصرفات طبيعية فى سن تالا.
اصطحب الأب تالا لتقضى معه أسبوعاً، كانت تالا تتصور أنها أخيراً ستستطيع أن تقضى بعض الوقت مع أبيها، ولكن أحلامها ذهبت مع رياح الواقع التى كانت تنقل أبيها الشغوف بعمله من مكان إلى مكان. كانت الفتاة ذكية فقررت أن تتقرب إلى أبيها وأن تقول له ما تريد أن تقوله بلغته، وهى الصور الفوتوغرافية فقد كان الأب المصور يرى أن الكاميرا تستطيع أن ترى أشياء لا يراها الإنسان وتسجل لحظات لا يعيها. وقد دفعنى تصرف تالا إلى التساؤل عمن المفترض أن يقوم بالتقرب إلى الآخر: الآباء أم الأبناء؟ فى رأيى أنه بالأساس دور الآباء وخاصة فى سنوات الطفولة والمراهقة لدى الأبناء، ويستطيع الأبناء أن يقوموا بهذا الدور عندما يصلون إلى مرحلة من النضج تمكنهم من ذلك. هذا النضج سيساعد عليه الحصول على الاهتمام الكافى من الآباء فى سنوات النمو وكأنه رصيد يضعه الآباء فى قلوب الأبناء ليستطيع الأبناء الاعتناء بأنفسهم وبالآخرين عند الكبر. حرمان الإنسان من هذا الاهتمام لا يمنع نضجه بالطبع ولكنه يعطله وربما يجعله أصعب.
المهم، تعلمت تالا التصوير على يد “جمال” وخرجت تتبع أباها دون أن يراها وأخذت تلتقط له صوراً عديدة، كان من ضمنها صورة له وهو يتكلم مع أحد فاتحاً ذراعيه حيث كان يصف حجم إحدى صوره. واشتركت “تالا” بهذه الصورة (بعد أن أجرت عليها تعديلاً بمساعدة “جمال”) فى مسابقة للتصوير الفوتوغرافى أقامها أحد المعارض، واشترك أبوها فى نفس المسابقة. وفى يوم إعلان النتيجة ذهب الأب ومعه “تالا” و”جمال”، وأزيح الستار عن الصورة الفائزة وكانت صورة الأب فاتحاً ذراعيه ومقبلاً نحو “تالا” وكأنه يحتضنها.. لقد كان هذا هو التعديل الذى أدخلته “تالا” على الصورة التى حققت فيها ما لم تستطع تحقيقه فى الواقع.
بعد أن عشت مع “تالا” كل هذه الأحداث وتأثرت بمشاعرها، تكشف لنا الكاتبة أن هذا كان حلماً! ولكن الحلم بدأ يتحقق فقد قصرت “تالا” شعرها فعلا وجاء أبوها ليأخذها معه لقضاء بعض الأيام سوياً، وفى الطريق عبرت له عن مشاعرها نحوه واحتياجها إليه وكان من ضمن ما قالت: “أنا أحتاج إليك… أنا لست خائفة لكنى أريد أن يمسك أبى بيدى”وبينما كانت تواصل حديثها اقترب منها أبوها وهو يفتح ذراعيه على اتساعهما فارتمت تالا بين ذراعى أبيها، ظلا متعانقين وقد يظن البعض أنه أمام صورة فوتوغرافية رائعة…
لقد أمسكت بالقصة فلم أستطع وضعها من يدى حتى أنهيتها فى حوالى ساعتين، الأسلوب سلس، ومختلف من حيث أن الكاتبة تنوع فى الراوى، بالإضافة إلى قدرتها الرائعة على وصف مشاعر تالا وأفكارها فى مختلف المواقف..
—
تأليف: فراسيس روال، ترجمة منى سمير، دار إلياس العصرية للطباعة والنشر