أخيراً جددت الحمام!

كانت واحدة من أقوى أماني “ذات” إنها تجدد الحمام، خاصة بعد ما زارت صاحبتها “منال” وشافت حمامها جميل إزاي. يمكن عندها حق شوية خاصة إن سباكة حمامها كانت بايظة ومبهدلة حمام جيرانهم اللي تحتهم. بس اللي لفت نظري إن تعاملها مع الموضوع كان مبالغ فيه شوية، يعني كل شوية تعيط لجوزها عشان يجددوا الحمام، تحلم بتجديد الحمام وتصحى من النوم مفزوعة بسبب كابوس شافته عن الموضوع ده!

قالت جملة لجوزها خلتني أشوف الموضوع من زاوية تانية وأتعاطف معاها شوية “أنا عمري كله باقضيه في المطبخ والحمام من ساعة ما بارجع من الشغل، يا باطبخ يا باغسل” فمن حقها يعني إنها تقضي وقتها في مكان كويس.

لكن برضه مش أقدر أبلع ردود أفعالها المبالغ فيها دي للآخر. لكن نقدر نبلعه لو فهمنا هي ليه في الحقيقة بتعمل كده.

الحقيقة إن “ذات” مش راضية عن حياتها ولا عن نفسها، حياتها بهتانة وماسخة. اتعرضت لإساءات كتيرة في طفولتها وفي حياتها سايبة أثر في شخصيتها وفي صورتها أمام نفسها. ده بالإضافة إلى إنها لما وافقت على جوزها ساعة ما تقدم لها مش وافقت عن اقتناع بشخصيته أو عن حب له، وإنما عشان كل صاحباتها اللي في سنها اتجوزوا وهي خافت تعنس، وكمان كانت فرحانة بفكرة إنها عروسة ومخطوبة وكده. وطبعاً لما اتجوزت، زالت الغشاوة من على عينيها وبدأت تشوف بقى الحياة على حقيقتها بحلوها ومرها. بدأت سلبيات شخصية جوزها تبان أو نقدر نقول إن هي بدأت تشوفها. إلى جانب إنها اتعرضت للختان وهي صغيرة وطبعا ده مؤثر على علاقتها بزوجها.

الخلاصة إن هي عندها مشاكل كتيرة في حياتها وفي شخصيتها، ناتج عن المشاكل دي مشاعر سلبية كتيرة بس هي متجاهلاها أو بتنكرها أو كابتاها، مش متواجهة معاها يعني. فالمشاعر دي عاوزة تنفس عن نفسها بأي طريقة، فعشان كده بتظهر في مواقف مالهاش علاقة بمشاكلها الحقيقية وبشكل مبالغ فيه.

ولأن حياتها ككل مالهاش معنى، فبتحاول تلاقي المعنى ده في حاجات صغيرة زي مثلاً إنها تجدد الحمام، وبعده ما تحقق الهدف ده أكيد هيظهر هدف تاني من النوع ده، زي إنها تشتري غسالة فول أوتوكاتيك مثلاً، وهكذا.

أنا مش بانكر على حد إنه يحب يجدد في بيته أو يعيش في مكان جميل ونظيف، لكن أنا باتكلم على ردود أفعالها المبالغ فيها وعلى إن شغلنا الشاغل في الحياة يكون إننا مثلاً نجدد الحمام!

الشقة الجديدة

“أنا عايشة لوحدى.. أيوه عايشة لوحدى.. وإحساس وحش أوى لما الواحد يكون عايش لوحده ويتصل بحد فى التليفون فيلاقيه مش بيرد أو قافل الموبايل… لما بيحصل معايا كده باحس بوحدة فظيعة! ساعات بيبقى نفسى أتكلم مع حد، ولما مابالاقيش حد أتكلم معاه، بابص فى المراية وأقعد أكلم نفسى. ساعات باحس إنى مجنونة! ممكن تكونوا بتسألوا نفسكم: ليه أنا عايشة لوحدى؟ وإزاى مش خايفة على نفسى؟ ويمكن تكونوا بتقولوا جواكم علىّ إنى بنت مش كويسة. كل اللى بيعرفوا إنى عايشة لوحدى بيقولوا علىّ كده، حتى لو مش بلسانهم بس بنظراتهم.. بس لو عرفتم أنا ليه عايشة لوحدى هتعذرونى.

ماما ماتت وأنا صغيرة، يعنى وأنا عندى 5 سنين كده. وبابا اتجوز واحدة تانية، توقعت إنها هتكون زى ماما، وإنها هتعوضنى عن الحب والحنان اللى فقدتهم بموت ماما لكنى كنت باحلم وحياتى مع الست دى كانت كابوس! بابا كان بيخرج الصبح يروح الشغل ومايرجعش إلا بالليل، يعنى هى اللى كانت قاعدة بوزى فى بوزها طوووول اليوم. والمصيبة أنها ماكانتش بتشتغل، وعشان كده أنا كنت عكس كل الأطفال باكره الأجازة لأنى هافضل قاعدة فى وشها طول اليوم، لكن أيام الدراسة كان نص اليوم بيعدى فى المدرسة، كنت باشوف أصحابى وبالعب معاهم وباتكلم معاهم. لكن فى الأجازة كنت بافضل قاعدة فى البيت، حابسة نفسى فى الأوضة، برضه لوحدى! يظهر الوحدة دى مكتوبة علىّ من زمان! بالعب بلعبى لوحدى، ماكانش فيه حد أكلمه إلا لعبى، كنت باقعد أفتكر ماما وأعيط… وهى ماكانتش تيجى لى الأوضة إلا لو عاوزانى أساعدها فى حاجة فى البيت أو عاوزانى أنزل أشترى لها حاجة من تحت. وماكانتش أبداً بتنادينى باسمى، كانت دايما تقول لى: يا زفتة، روحى يا زفتة، تعالى يا زفتة.. لدرجة إنى نسيت اسمى! كانت برضه بتفتكرنى فى حالة تانية: قبل ما بابا يرجع من الشغل بنص ساعة كده ألاقيها داخلة علىّ الأوضة وتيجى تشدنى من إيدىّ وتقول لى: يللا يا زفتة قومى أحميكِ عشان أبوكِ يرجع من الشغل يلاقيكِ نظيفة. وبعد ما تحمينى تسرح لى شعرى وتلمه لى ديلين حصان، وتحط لى بارفان وتسيبنى أكمل لعب. عمرها ما كانت بتاخدنى فى حضنها إلا قصاد الناس عشان تبان بس إنها حنينة علىّ. ولما خلفتْ، فرحتُ بالنونو الصغير وقلت أخيراً جالى أخ ألعب معاه بدل ما أنا بالعب لوحدى علطول لكن… لكن للأسف كنت عبيطة لأن معاملتها معايا بقت أسوأ من الأول. طول النهار كانت بتشغلنى فى البيت، وزعيق وشتيمة وتلطيش على الوش لو اتكلمت ولا قلت لأ ولا غلطت فى حاجة.. كنت باحس بالرعب.. خايفة أعمل أى حاجة.. خايفة أغلط.. كان قلبى بيتقطع وأنا شايفة أخويا الصغير بيتعامل معاملة تانية خااااالص غير اللى أنا باتعاملها. طبعا هو كانت علطول بتضحك له، وتلاعبه، وتكلمه بصوت كله حنية وفرحة.. لكن لما تشوفنى أنا بتحول علطول على المحطة التانية! وغصب عنى بقيت أغير من أخويا وأكرهه.

ممكن تسألونى: طب ليه ماكنتيش بتقولى لباباكِ؟ هتستغربوا لما تعرفوا أن بابا كان عمره ما بيسألنى طنط عاملة معاكِ إيه؟ ولا كان عمره بيحس إنى متضايقة أصلاً. هو كان بيرجع من الشغل، يخش علىّ الأوضة ويقول لى ازيك يا سوزى، ويبوسنى ويحضننى حضن بارد وسريع، ويسألنى اتعشيتِ؟ أقول له: أيوه يا بابا، يقوم يطبطب على ظهرى ويقول لى: طيب يلا كملى لعب، ويمشى ويسيبنى. سيناريو فضل يتكرر سنين وسنين. كان نفسى مرة يقعد ويسألنى: عاملة إيه؟ حاسة بإيه؟ كان نفسى مرة ياخدنى وينزل يتمشى معايا، ونقعد نتكلم مع بعض.. أنا كنت صغيرة، مش قادرة أتكلم كده من نفسى، مش قادرة أفهم نفسى، محتاجة حد يسألنى. بس هو كمان كان سايبنى لوحدى.

حتى أخويا الوحيد كان بيكرهنى، كرهته فىّ، وكرهتنى فيه، كتر خيرها! تخيلوا كانت بتقول له: دى عاوزة بابا يموت عشان تاخد فلوسه كلها، وكان لما يبقى عاوز يخرج معايا تقول له: لا، فيسألها: ليه يا ماما؟ فتقول له: أصلها هتسيبك فى الشارع لوحدك والحرامى ييجى ياخدك.

عدت السنين وكبرت وبقى عندى 14 سنة. كنت فى سن محتاجة حد يصاحبنى ويتكلم معايا، حطيت كل همى فى اللبس والماكياج والأغانى والمسلسلات. وفى مرة كده فكرت وقلت لنفسى: هم مش بيقولوا أعز الولد ولد الولد؟ ليه ماروحش أعيش مع جدتى؟ وقلت لبابا.. تخيلوا ماسألنيش ليه؟! ورحت عشت مع جدتى، وأنا متخيلة إنى هالاقى عندها الحنان والحب اللى ماتوا فى حياتى من يوم ما ماما ماتت.. بس للأسف جدتى كان خلقها ضيق وماقدرتش تستحملنى لأنى كنت مناكفة ومتمردة وكأنى كنت باطلع عليها الكبت اللى اتكبته السنين اللى فاتت كلها فى بيت بابا. فكلمت بابا وقالت له: تعالى خد بنتك، دى فى سن المراهقة وطايشة وأنا ست كبيرة ومش أدها أحسن تجيب لى مصيبة، تعالى خدها، البنت فى السن ده محتاجة راجل يشكمها. وفعلا جه بابا أخدنى.

وفى يوم حسيت أنى مش قادرة أعيش فى البيت ده خلاص أكتر من كده، ولاحظت فى الأفلام الأجنبى اللى كنت مدمناها إن الولاد والبنات من سن 16 سنة بيستقلوا بحياتهم، فقلت لنفسى: طب ليه ماعملش كده؟ بس هاقول لبابا إيه؟ ماكنتش عارفة بس كنت عارفة ومتأكدة إن هو ده الحل الوحيد للجحيم اللى أنا كنت عايشاه. صحيح أنا برضه عايشة دلوقت فى جحيم بس يعنى أهون شوية. المهم بدأت أدور على شقق إيجار ولقيت شقة فى وسط البلد اللى باعشقها. ومرة كده رحت وقلت لبابا: بابا، أنا عاوزة أعيش لوحدى. بص لى كده وسكت وسألنى: ليه، حصل حاجة؟ سكت لحظات وسرحت: حصل حاجة؟! أخيراً سألتنى السؤال اللى بقى لى 10 سنين مستنياه؟! هاحكى لك إيه ولا إيه؟! خلاص فات الأوان! وبعدين اتكلمت وقلت له: لأ أبدا مفيش حاجة حصلت، بس أنا كبرت وعاوزة أجرب أستقل بنفسى. سألنى: بس أنت مش هتخافى تقعدى لوحدك؟ طبعاً أنا كنت خايفة بس قلت له: لأ، هاخاف من إيه يعنى؟ فقال لى بمنتهى البرود: طيب يا حبيبتى، مفيش مشكلة. بصراحة كنت هاتجنن. أنا آه كنت عاوزاه يوافق، بس برضه كنت نفسى أحس إنه خايف علىّ، إنى أفرق معاه. ده أنا أصحابى فى الجامعة أبهاتهم بيعملوا لهم مشكلة لو اتأخرت الواحدة منهم شوية بس، مش هو عادى سايبنى أعيش لوحدى! قلت له: طيب، الشقة فى وسط البلد وإيجارها كذا. قام دخل الأوضة وراح جاب لى المبلغ اللى أنا عاوزاه وزيادة عليه شوية وقال لى: تصبحى على خير يا حبيبتى، وربنا يوفقك.

أخدت المبلغ فى فرحة وذهول وصدمة وقلق ومشاعر كتير كده ملخبطة. ماجاليش نوم طول الليل، وقعدت لميت حاجتى كلها، والصبح خرجت من أوضتى بشنطى، وكان بابا وطنط وأخويا قاعدين بيفطروا. قال لى: خلاص ماشية يا حبيبتى؟ قلت له: أيوه. قال لى: كنت عاوز أوصلك بس معلش مش هاقدر عشان ماتأخرش على الشغل، خدى تاكسى، وطلع من جيبه 50 جنيه واداها لى. قربت من بابا أبوسه فباسنى البوسة الباردة وحضنى الحضن البارد اللى اتعودت عليهم طول عمرى، ولسة هاقرب من طنط عشان أبوسها لاقتها بتبعدنى عنها وبتقول لى: أنا عندى برد. فقلت لها: سلامتك. وبعدين قربت من أخويا الوحيد عشان أبوسه راح بعد وشه عنى وهو مكشر وكأنه مش طايقنى. نزلت وأخدت تاكسى ووصلت بيتى الجديد. كنت فرحانة جدا، لأول مرة أحس إنى باتنفس حرية.

معلش أنا عارفة إنى طولت عليكم، أنا هاجرى شوية عشان أنا أخدت أكتر من وقتى. المهم، دخلت الجامعة واتعرفت على زميل لى فى الكلية. أعجبت بيه وارتحت له، وحسيت إن هو كمان بيبادلنى نفس المشاعر دى. لأول مرة فى حياتى بعد سنين طويلة من وفاة ماما، أحس إن فيه حد مهتم بى وأنا مهتمة بيه، إن فيه حد شايف فىّ حاجة حلوة، إن فيه حد بيسأل علىّ لما أغيب من الكلية أو لما أكون عيانة أو متضايقة. كنت باتكلم معاه فى كل حاجة إلا أى حاجة لها علاقة بمرات بابا، أو بإنى عايشة لوحدى. كنت خايفة يعرف فنظرته لى تتغير ويبعد عنى ويسيبنى. كنت مخبية الموضوع ده عن كل زمايلى فى الكلية. المشكلة أن طبيعة كليتنا كانت بتتطلب أننا ناخد شغل ونكمله معانا فى البيت، وكمان كانت بتعتمد على العمل الجماعى، فكنا كل مرة بنتجمع فى بيت حد فينا. وطبعاً لما كان بييجى الدور علىّ كنت باقعد أتحجج بأى حاجة: مرة أصل بابا تعبان، مرة أصلهم فى البيت مسافرين وأنا عند جدتى، أى حاجة. المهم، خلصت السنة الدراسية، كنت زعلانة أوى عشان زميلى اللى باحكى لكم عليه ده هيوحشنى جداً. وفى يوم وأنا نازلة من شقتى وخارجة فوجئت بزميلى نازل قدامى على السلم! وقفنا وسلمنا على بعض، وسألته: أنت بتعمل إيه هنا؟ قال لى أنه جاى يتدرب فى إجازة الصيف فى مكتب هندسى عندنا فى العمارة. نزلنا مع بعض. واحنا خلاص خارجين من العمارة، لقيت البواب بيجرى علىّ وهو ماسك فى إيده ظرف وبينادى: آنسة سوزى، آنسة سوزى.. والد حضرتك عدى من شوية وساب لك الظرف ده وبيقول لك: ينفع كده تقعدى 5 شهور ماتعديش على بابا تسلمى عليه؟!

سمعته وأنا فى ذهول، بصيت له وبصيت لزميلى، وزميلى كان باصص لى فى ذهول وحيرة وكأنه مستنى أشرح له اللى سمعه، والبواب فضل مادد إيده بالظرف وبيبص لى وبيبص لزميلى.. حسيت بالشلل التام للحظات، حسيت إنى عاوزة الأرض تنشق وتبلعنى، قلت فى نفسى: ياريتنى مت قبل ما أشوف اللحظة دى. ادورت وجريت على السلم وأنا منهارة فى العياط…..”

وانهارت سوزى فى البكاء ولم تستطع أن تكمل قصتها، فقدمت لها منة، عضو آخر بمجموعة المساندة النفسية، منديلاً وربتت على كتفها قائلة: “ياااااه يا سوزى، ألبتِ علىّ المواجع” وبدأت تحكى قصتها…

عريس “تكفير وهجرة”

هى امرأة قمحية اللون فى العقد السادس من عمرها، أنهات مشاويرها وقررت أن توقف “تاكسى” لتعود إلى منزلها فى إحدى المناطق الراقية بالقاهرة.

مر “التاكسى” فى طريقه على مجموعة من المتظاهرين، فقال فى غيظ: متى سنخلص من هذه المظاهرات؟َ

صمتت السيدة ولم تتكلم، فهى بطبيعتها قليلة الكلام وخاصة مع الغرباء.

فسألها السائق: ما رأى حضرتك فى هذه المظاهرات يا حاجة؟

فقالت وهى تتنهد: الله يصلح حال البلد

فقال السائق فى تشفٍّ: لكن بصراحة بس بصراحة حسنى مبارك ومن حوله يستحقون ما يجرى لهم

فقالت السيدة: يمهل ولا يهمل

فقال السائق: أنا أتمنى أن يأتى اليوم الذى أرى فيه حبل المشنقة ملفوفاً حول رقابهم. لقد نهبوا البلد!

تنهدت السيدة فى حسرة وقالت فى غيظ: معك حق، نهبوا البلد وأمرضوا الناس، والشباب لا يستطيعون أن يعملوا أو يتزوجوا، والمستشفيات إمكانياتها ضعيفة جداً والناس لا يجدون العلاج، ابنتى تحكى لى مآسٍ والله!

فسأل السائق: هل بنت حضرتك دكتورة؟

فأجابته السيدة: أيوه

فسألها السائق: هى مرتبطة؟

تضايقت السيدة من كثرة أسئلة الرجل التى وسألته متململة: وما سبب هذا السؤال؟

فأجابها السائق: أريد أن أرتبط بها يا حاجة ولكن لى شرط وحيد، وهو أن تنتقب، وأنا سأفتح لها عيادة وأغير لها سيارتها…الخ. على فكرة أنا فى الأساس قاضٍ ولكنهم فصلونى من عملى.

فسألته السيدة: ولماذا فصلوك من عملك؟

فأجابها: لأننى كنت أقوم لأؤدى كل صلاة فى موعدها. ولما فصلونى اشتريت عدة سيارات “تاكسى” شغلت بعض الشباب عليها، وأنا أشتغل على هذا “التاكسى” لأشغل وقتى.

فسألته السيدة: هو حضرتك سلفى؟

فقال لها: لا، أنا من جماعة “المسلمين”

لم تفهم السيدة، فتكلمت فى بطء وهى تفكر فيما يقول: ألسنا كلنا مسلمين؟!

فقال لها: أنا أقصد من الجماعة التى يسميها الإعلام المضلل “التكفير والهجرة”

انقبض قلب السيدة، وانعقد لسانها.

ساد الصمت لحظات، وفكرت السيدة: لا أريد أن أجلس مع هذا الرجل أكثر من ذلك ولا أريده أن يعرف مكان فى بيتنا، إذان لأنزل هنا، فقالت للسائق: سوف أنزل هنا لو سمحت

فبدأ السائق ينحرف يميناً ليقف على جانب الطريق حتى تنزل السيدة، وقال: ماذا قلتِ حضرتك؟

فسألت السيدة: فى ماذا؟

فقال: فى الزواج من ابنة حضرتك الدكتورة

فقالت له السيدة: معذرة، ليس مناسباً لنا

فأدار السائق رأسه للخلف ناحية السيدة وقال لها: حضرتك أنا قاضٍ والله، وسوف أقيم لها عيادة وأغير لها سيارتها، ولا أطلب منها سوى أن تنتقب

فقالت السيدة وهى تهم بالنزول من “التاكسى”: معذرة، الزواج قسمة ونصيب، وربنا يرزقك بالأفضل

فقال السائق فى إصرار وإلحاح وهو يناولها ورقة: حضرتك احتفظى برقم هاتفى معكِ…

فقاطعته السيدة قائلة وهى تقبض يديها: حضرتك والله الموضوع ليس مناسباً

فواصل كلامه فى حماس ومازال مادّا يده لها بالورقة: حضرتك احتفظى به معكِ، وفكرى جيداً، وانظرى رأى الدكتورة ثم ردى علىَ

فسألته السيدة: ألست حضرتك متزوجاً ولديك أبناء؟

فأجابها الرجل وقد بدت على وجهه علامات الاستغراب من السؤال: نعم

فسألته السيدة: إذن لماذا تتكلم فى الزواج؟

فقال لها السائق: وما المشكلة فى ذلك، ألم يحلل الله للرجل “مثنى وثلاث ورباع”؟ ثم تكلم مرة أخرى فى حماس ومازال مصراً على إعطائها الورقة: خذى حضرتك رقم هاتفى، وفكرى وأنا منتظر ردك.

أرادت السيدة أن تتخلص من هذا الإلحاح وتنصرف، فأخذت الورقة وهى تقةل له: إن شاء الله.

وانطلق السائق بسيارته بعد أن حياها

ومضت السيدة فى طريقها مذهولة مما سمعت: ما هذا؟ كيف يريد هذا الرجل أن يتزوج ابنتى دون أن يراها؟ ولماذا؟ هل لأنهم يريدون زيداة أعداد جماعتهم؟ أو هل يريدون أن يضموا إلى جماعتهم أبناء الطبقات الأرقى؟ أنا رفضت، فماذا تفعل غيرى؟؟

ثم طوت الورقة فى غيظ وقلق وأقتها وهى تقول: ربنا يستر…

ملحوظة: القصة حقيقية

القطار

بعد يوم عمل مرهق، توجه إلى محطة القطار ليعود إلى القاهرة. لم يجد مكاناً فى القطار الذى سوف يتحرك الآن إلا واقفاً..

فكّر: كنت صائماً، وقد استيقظت من الصباح الباكر، وقضيت يومى فى العمل.. فهل أتحمل ساعتين أو ثلاث واقفاً من الأسكندرية إلى القاهرة؟؟؟

ثم توجه إلى موظف شباك التذاكر قائلاً: ومتى سيغادر القطار التالى من فضلك؟

أجابه الموظف: فى تمام الساعة الخامسة والربع

فقال له: إذاً أعطنى تذكرة من فضلك

أخذ التذكرة بعد أن دفع ثمنها، وقال لنفسه: حسناً، حتى يحل موعد القطار سأذهب لأصلى المغرب وأشترى طعاماً أفطر عليه.

الآن هو عائد إلى المحطة ليركب القطار ممنياً نفسه بكرسى مريح فى قطار الدرجة الأولى، ليتناول إفطاره ثم ربما لينام قليلاً، أو ينظر من الشباك ويتأمل ما مر به خلال يومه، أو ربما يقرأ كتاباً..

ولكنه وجد القطار يغادر الرصيف!

فأخذ يجرى مهرولاً خلفه ليلحق به، والناس فى القطار ينظرون إليه..

أخذ يجرى خلف القطار بكل ما أوتى من قوة ومشاعره تتأرجح بين القلق والأمل..

أخذ يجرى وقد تعلق أمله بالقطار..

هاهو كاد يلحق بالقطار..

هاهو وصل إلى باب القطار..

ولكن..

انغلق الباب فى وجهه…

أبطأ خطواته ثم توقف تماماً

أطرق بوجهه إلى الأرض وقد استبد به الإحباط

مازال مطرقاً بوجهه إلى الأرض، وأخذ يتحرك بخطى ثقيلة وهو يفكر:

ماذا فعلت حتى يحدث هذا لى؟ لقد ذهبت أصلى، وكنت صائماً اليوم فذهبت لأشترى إفطارى؟؟

يبدو أننى كان يجب أن أعود أسرع من ذلك، لم يكن من الضرورى أن أشترى إفطاراً. ألم يكن من الممكن أن تشترى من القطار؟!

هاهو القطار قد فاتك

وضاعت عليك التذكرة

ماذا ستفعل الآن؟؟

هل سأجد مكاناً فى القطار القادم؟ وماذا إذا لم أجد؟ هل سأضطر إلى الانتظار؟ أم ترانى قد كتب علىّ السفر واقفاً؟

ولكن كيف ستقف ثلاث ساعات؟!

هل سأضطر إلى المبيت بالأسكندرية هذه الليلة؟

ولكن أين؟!

إذاً قد يكون علىّ أن أبحث عن فندق

تكلفة زيادة.. ومجهود زيادة.. ووقت ضائع…

أفففففففففف

وبينما هو كذلك إذ جاءه رجل: مالك يا بنى؟

فأجابه بصوت يائس: لقد فاتنى القطار وضاعت على التذكرة

فقال له الرجل: أعطنى التذكرة أراها

وبعد أن دقق فيها النظر، رفع وجهه نحوى وهو يرفع حاجبيه وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، ثم قال بصوت يلوؤه الحماس: ولكن القطار الذى فاتك لم يكن قطارك، وهذا هو قطارك يدخل المحطة.

مد يده يأخذ منه التذكرة، وهو ينقل عينيه بين الرجل والتذكرة والقطار غير مصدق ما سمع، ويقول فى نفسه: معقول؟! لم يفتنى القطار؟ هذا هو قطارى؟ وسأجلس على كرسى مريح وأتناول إفطارى وأبيت الليلة فى بيتى؟! الحمد لله

نظر إلى الرجل وقد تهلل وجهه، وشكره، ثم ودعه وانصرف مسرعاً إلى قطاره وقد شعر بقوة الأمل تدب فى روحه وجسمه.

جلس يتناول إفطاره وهو يفكر:

سامحنى يا رب على أننى ربما أكون قد أسأت الظن بك..

ماذا لو كنت لحقت بالقطار الماضى؟ لو كان حدث، لكنت الآن أقف فيه إذ ليس لى مكان، وفوق هذا كنت سأضطر إلى شراء تذكرة جديدة وتضيع علىّ تذكرتى!

الحمد لله

نظر إلى الشباك وشرد بنظره، ثم استطرد فى تأملاته:

كم من أشياء فى حياتنا نلهث خلفها ونبذل كل ما فى وسعنا من أجل الظفر بها ولكننا لا ننالها وتنغلق الأبواب فى وجوهنا، فنصاب بالإحباط واليأس معتقدين أن الخير قد تركنا..

ولكننا بعد ذلك نكتشف أن ما فاتنا فاتنا، لأنه ببساطة لم يكن لنا..

ملحوظة: القصة حقيقية

نملة ندلة

 أن تقتل نملة قرصتك مفهوم، أن تقتل نملة أتت على طعامك مقبول، أن تقتل نملة تسير على فراشك مبلوع فهى التى بدأت وجرت شَكَلَك، والبادى أظلم! أما أن ترى نملة سائرة فى أمان الله فى مناكب الأرض تبحث عن رزقها ولم تأتِ ناحيتك، فتقتلها فهذا هو الذى لا أفهمه، أليست هذه المخلوقات أمم أمثالنا كما قال تعالى فى كتابه الكريم؟ هل هذا الكوكب كوبنا وحدنا حتى نفترى على خلق الله بهذه الصورة؟!

ربما تربى معظمنا صغاراً على ممارسة هذه الهواية الغريبة واللعبة المؤذية أن نطارد النمل ونسحقه بأرجلنا وكأننا حققنا انتصاراً عظيماً، هل لأنها أصغر منك فى الحجم مثلاً؟! انتبه فلكل قوى الأقوى منه : )))

اليوم قتلت أمى نملة فى البلكونة، وكنت أنا جالسة أراقب النمل وأشاهده، فاخترت نملة وأخذت أتتبع حركتها حتى وصلت إلى الفقيدة، اقتربت منها ثم أخذت تلف حولها وتبتعد وتقترب فى حركة هستيرية. قلت فى نفسى: يالك من نملة حزينة، ويالها من نملة مسكينة تلك التى قُتِلَت، كيف سيكون حال أبنائها وهم ينتظرونها وقد خرجت تحضر لهم الطعام : (

وقلت: لابد أن النملة التى عثرت على جثة القتيلة ستذيع هذا النبأ الحزين بين قومها وتحضرهم ليلقوا عليها النظرة الأخيرة قبل أن تتوارى عنهم، ويبكونها، ويقيمون لها حفل تأبين ثم يشيعونها فى جنازة مهيبة تليق بنملة شريفة مثلها خرجت تبحث عن رزقها فسحقتها أيدى ابن آدم.

ولكن كل ظنونى خابت، وكل توقعاتى تحطمت أمام هذه النملة القاسية التى اكتفت بهذه الحركات الهستيرية ثم واصلت طريقها وكأن شيئاً لم يكن، فقلت: إنك حقاً نملة ندلة! 😀

حكاية كوز الذرة!

فى هذه التدوينة أريد أن أحكى لكم حكايتين شخصيتين لهما علاقة بحديث النبى (صلى الله عليه وسلم): “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”

زمان وأنا صغيرة كانت أمى – جزاها الله عنى خيراً – بتودينى أحفظ وأتعلم قرآن فى مسجد مصطفى محمود. وكنت لما أخلص تسميع وقراءة على أستاذى وأستاذتى – جزاهما الله عنى خيراً – يقعدونى أساعدهم فى التسميع وتصحيح القراءة لباقى المجموعة. وكنت أنا باعمل معاهم زى ما أستاذى كان بيعمل، فلو واحدة غلطت فى كلمة استحالة كنت أعديها ولا أنقل على الآية اللى بعدها إلا لما تنطقها صح، إن شا الله نقعد فيها نص ساعة مش هازهق! 😀 ولما تقولها صح مش أسيبها فى حالها بقى، لا أخليها تعيدها عشان أتأكد أنها أتقنتها وماكانش الصح ده مرة عابرة وخلاص، فأخليها تعيدها عدد معين من المرات ولو مرة قالتها غلط فى النص نعيد تانى من الأول! مفترية مفنرية يعنى 😀

إيه علاقة ده بالحديث؟ أنتم واخدين بالكم أنا إزاى فاكرة الموقف بكل تفاصيله؟ ليس هذا وفقط ولكن كلما تذكرت هذا التصرف منهما شعرت بسعادة واعتزاز بالنفس وبقدرة على تحمل المسؤولية. أشعر أن هذا التصرف البسيط منهما كان له أثر كبير فى تنمية قدرتى على تحمل المسؤولية ونصيب كبير من رصيد اعتزازى وثقتى بنفسى. ومن الممكن أنهما لم يكن ببالهما ذلك عندما كانا يكلفانى بهذه المسؤولية ولكن الأثر مازال موجوداً ويؤتى ثمرته كل حين بإذن ربه.

هذه هى الحكاية الأولى. أما الثانية، فهى أنى وأنا راكبة الميكروباص الذى يقلنى إلى بيتى كانت تجلس بجوارى سيدة فى حوالى الخمسين من عمرها. كانت تأكل ذرة، ولكنها لم تكن تأكل الكوز دفعة واحدة وإنما كانت تقسمه. بعد أن انتهت من أكل جزء من الكوز فوجئت أنها ألقت به من الشباك! نظرت إلى الشباك وعينى تشيع هذا الجزء من الكوز بنظرات من الحزن، طبعا ليس على الكوز 😀 وإنما على إلقائها الكوز فى الشارع، ففتحت حقيبتى ومددت يدى أبحث عن “كيس” فأعطيه لها لتضع فيه باقى الكوز عندما تنتهى من أكله، ولكنى للأسف لم أجد. وتذكرت الحكاية الأولى وكيف أن هذا التصرف البسيط ترك فى شخصيتى أثراً عميقاً، فقررت أننى لابد أن أفعل شيئاً. والآن سأترككم للحوار الذى دار بين صوت الإيجابية وصوت الخوف والتثبيط:

– خلاص أنتِ كده عملتِ اللى عليكِ، كنت عاوزة تديها كيس بس ملقيتيش

– طب أقطع لها ورقة من الكشكول وأديها لها

– هى مش محتاجة ورق ترمى فيه، ما هى ممكن ترمى فى الورق الأخضر بتاع الذرة

– هى الفكرة إنى بالطريقة دى كأنى باقول لها ماترميش فى الشارع بس بشكل غير مباشر

– تؤ تؤ …

– طب أقول لها

– تخيلى بقى طيب لو راحت مزعقة فيكِ شكلك فى الميكروباص هيكون عامل إزاى؟!

– معقول بعد الثورة ولسة بنخاف نتكلم، معقول بعد الثورة وهافضل سلبية. لأ، استنى أنتِ…. (ورتبت الكلمتين اللى هأقولهم لها)

ثم ميلت على السيدة، وقلت لها: يا حاجة هاطلب منك طلب، حضرتك فى مقام والدتى (وفى دماغى باقول لنفسى تلقاها افتكرتنى هاشحت منها ولا حاجة :D). ممكن لما تاكلى الذرة بالهنا والشفا تخليها معاكى وترميها فى البيت.

نظرت إلى شزراً ووجهها تكسوه علامات الاسستغراب ثم أدارت عنى وجهها دون أن تنبس ببنت شفة. الطريف أننى  لحظتها لم ألحظ إلا علامات الاستغراب، ولم أنتبه إلى أنها نظرت لى شزراً إلا الآن وأنا أتذكر نظراتها، المهم أننى قمت فى آخر كلامى بالتربيت على كتفها قائلة: “ربنا يكرمك” على أساس أن سكوتها علامة الرضا على طلبى : ))

ثم خطرت لى فكرة…

– إيه رأيك يا هدى تدفعى لها الأجرة وأنت نازلة؟

– طب وهى هترضى؟! أكيد هتقول لك لا استنى وتصمم أنها تديكِ الفلوس (مش عارفة أنا إيه الرخامة دى، كل ما آجى أعمل حاجة كويسة ألاقيكِ ناطة لى!)

– أنا هاحضر الفلوس فى إيدى وأديها له وأنا على السلم أو أول ما أنزل من الميكروباص وأقول لها من الشباك إنى دفعت لها عشان الولد مياخدش منها تانى.

وفعلا قمت بذلك، ونظرت إليها فوجدت على وجهها علامات الاستغراب (برضه!) ولكن هذه المرة استغراب مصحوب بابتسامة ونظرات كلها امتنان…

تفتكروا رمت كوز الذرة فين؟ وتفتكروا هترمى حاجة تانى من الشباك؟ …….. : )

“مونولوج” قططى..

وقفز اللبن من الفرحة

كانا في ثلاجة واحدة لا يفترقان ليلا أو نهارا إلا عندما يخرج أحد اللبن ليشرب منه ثم يعيده، ولكنهما لم يكونا متجاورين: فقد كان اللبن بالرف الأعلي للحفاظ عليه من الفساد، وطبق القراولة في الرف الأسفل حتي لا تتجمد.

ظلا زمنا يتوقان إلي التحدث مع بعضهما، فكانت الفرولة تنظر إلي اللبن وتقول: يالصفاءه! وينظر هو إلي حمرتها ويقول: يالجمالها!

ظل اللبن يسأل نفسه: هل ستقبل صداقتي؟ وظلت الفراولة تقول لنفسها: لو يأتي إلي جواري حتي أستطيع التعرف عليه!

كل يوم يخرج اللبن مرات ومرات، ويعود كل مرة وقد نقصت كميته عما كانت عند خروجه. وفي كل مرة، يقول: سينتهي عمري قبل أن نكون أصدقاء. كادت حياته أن تنتهي، كما أوشكت حياتها علي الانتهاء أيضا.

وفي آخر يوم من حياة اللبن، فتحت صاحبة المنزل الثلاجة وبيدها الملعقة، تناولت علبة اللبن، وفتحت الغطاء، وأفرغت آخر قطرات في العلبة علي الملعقة، وكانت جميع الفراولات ينظرن يائسات إلي قطرات اللبن الأخيرة وهي تتحدر علي الملعقة. وفي هذه اللحظة الحاسمة، قالت إحداهن لنفسها: الفرصة مازالت موجودة، فقفزت علي الملعقة!

تعجبت السيدة من هذا التصرف الغريب من حبة الفراولة، وتعجبت أكثر عندما رأت اللبن وقد قفز من الفرحة، وسمعت هتاف الفراولات اللاتي مازلن في طبق الفراولة وهن يهتفن بصديقتهن المبادرة سعيدات بما فعلت.

وقد كانت هذه السيدة رقيقة الحس، فقررت أن تترك قطرات اللبن الأخيرة مع حبة الفراولة المبادرة ليتعرفا علي بعضهما.

فماذا قالا لبعضهما يا تري ؟؟

عم أصيل

في وقت الأصيل، كان عم أصيل جاسا أمام حقله ينظر إلي الخضرة… اهدوء يخيم علي المكان ولا يُسمع إلا صوت العصافير وهي تهم بالعودة إلي أعشاشها بعد يوم من العمل والبحث عن الرزق.

وفجأة سمع عم أصيل صوتا مثل صوت فقاقيع الماء، فأخذ يتلفت حوله ليتبين مصدر الصوت، حتي رأي شيئا فضي اللون يلمع في السماء. كان هذا الشيء مستديرا وله أربعة قوائم.

أخذ هذا الشيء يقترب ثم يقترب، وعم أصيل جالس في مكانه ينظر إليه، وتسيطر عليه مشاعر متناقضة ومتداخلة: خوف من هذا الشيء الغريب، وفضول لمعرفة ما هيته التي لا يعلمها حتي هذه اللحظة، واستغراب من هذا الشيء الذي لم يره من قبل.

الأفكار تتزاحم في رأس عم أصيل: تري ما هذا الشيء؟ هل سيؤذيني؟ هل هي طائرة يهودية؟ هل اليهود الأنجاس يريدون معاودة احتلال مصر ليضموها إلي فلسطين؟ وكانت هذه الخاطرة كفيلة بطرد مشاعر الخوف التي كان عم أصيل يشعر بها، وهم بالقيام للتصدي إلي هذا الشيء بفأسه الذي لم يكن معه سواه في هذه اللحظة، ولكن الشيء اقترب أكثر وأكثر، فلم ير عم أصيل النجمة السداسية الزرقاء التي يشتهر بها اليهود علي هذا الشيء، فوضع فأسه وجلس وقد سيطر عليه الفضول أكثر وأكثر: ما هذا؟ ما هذا؟

هبط هذا الفضي علي الأرض، وقد لفت نظر عم أصيل تلك الزخارف الإسلامية التي تزين الشيء الفضي، فاطمأن قلبه قليلا. باب الكرة الفضية، ونزل منها ممشي منحدر، وعم أصيل واقف يرقب ما سينزل من هذه الكرة ذات الزخارف الإسلامية.

وبدأ ينزل من الكرة جمال كثيرة وصل عددها إلي أربعين جملا تحمل آلات علاجية وأدوية. اقترب عم أصيل من الكرة، وصعد علي الممشي المنحدر من الكرة، وهم بالدخول إليها لولا أن التقي برجل سمح السمت، مد يده ليصافح عم أصيل، وعانقه. تعجب عم أصيل، فمن يكون هذا الرجل الذي يسلم عليه وكأنه يعرفه إلا أنه أصبح أكثر اطمئنانا.

سأله عم أصيل: عفواً، هل لك أن تخبرني من أنت؟

الرجل: أنا طبيب من القرن السادس الهجري. وأنا، هل يمكنني أن أتعرف علي اسمك؟

عم أصيل (مترددا): أصيل… اسمي أصيل، وينادونني بعم أصيل.

الطبيب: اسمك جميل يا عم أصيل، يسعدني لقاؤك.

عم أصيل: شكرا لك، ولكن من هؤلاء الرجال (الذين رآهم عم أصيل يخرجون من الكرة بعد الطبيب)؟ وما هذه الجمال؟ وما هذه الكرة الفضية الغريبة؟

الطبيب: هذه الكرة هي آلة الزمن التي نقلتنا من عصرنا إلي عصركم، وهؤلاء الرجال هم إخواني وزملائي من الأطباء والممرضين، وهذه الجمال المحملة بالآلات الطبية والأدوية هي عبارة عن مستشفي متنقلة.

عم أصيل (مندهشا): مستشفي متنقلة؟!

الطبيب: نعم، ألا تعرف يا عم أصيل أن المستشفيات في الدولة الإسلامية كان منها الثابت ومنها المتنقل، فالثابت هو الذي ينشأ في المدن، والمتنقل هو الذي يجوب القري البعيدة والصحاري والجبال، لعلاج المرضي في كل مكان. وهذه المستشفيات المتنقلة كان بإمكانها أن الوصول إلي كل رقعة في الدولة الإسلامية.

عم أصيل (متعجبا): يالها من فكرة رائعة وراقية! وأني لكم بهذه الفكرة؟ من أية دولة أوروبية نقلتموها؟

الطبيب: يا عم أصيل، إن المسلمين هم أول من أسس المستشفيات في العالم، بل إنهم سبقوا غيرهم في ذلك الأمر بأكثر من تسعة قرون !!

وبدأت المستشفي تتحرك لاكتشاف الحالات الني تحتاج إلي علاج، ويبدو أن هذا الطبيب الذي كان يتحث إليه عم أصيل هو كبير الأطباء. وعم أصيل يراقب الأطباء وهم يؤدون عملهم بنظام وإتقان مندهشا، فلم يكن يعرف أو حتي يتخيل ذلك!

ثم سأل عم أصيل الطبيب: ولكن كيف كان حال المستشفيات في عصركم؟

الطبيب: كانت المستشفيات تقسم إلي أقسام بحسب التخصص، وكانت تضم بداخلها مكتبات ضخمة تحوي عددا هائلا من الطب، والصيدلة، والتشريح، وعلوم الفقه النتعلقة بالطب، وغير ذلك من علوم تهم الطبيب. وكانت تزرع بجانب المستشفي مزارع الأعشاب الطبية لإمداد المستشفي بالأدوية الذي يحتاجه.

عم أصيل: عظيم! وكيف كانت العناية بالمرضي؟

الطبيب: عندما يدخل المريض المستشفي فإنه يسلم ملابسه التي دخل بها، ثم يعطَي ملابس جديدة لمنع انتقال العدوي عن طريق ملابسه التي دخل بها المستشفي. ويدخل كل مريض العنبر الخاص به، ويمنع من دخول العنابر الأخري لمنع انتقال العدوي. كما كان كل مريض ينام علي سرير خاص به، وعليه ملاءات جديدة وأدوات خاصة.

قارن ذلك بالمستشفي الذي أنشيء في باريس بعد ذلك بقرون، إذ كان المرضي يجبرون علي الإقامة في عنبر واحد بصرف النظر عن المرض، بل والأكثر من ذلك، كان عدد المرضي يصل علي السرير الواحد إلي خمسة أفراد. وكان المرضي لا ينقلون خارج العنابر إلا بعد أربع وعشرين ساعة من الوفاة! وكان الأطباء والمرضي لا يدخلون العنابر إلا وهم يضعون كمامات علي الأنف من الرائحة شديدة العفونة بها!

عم أصيل: يا الله! ولكن قل لي، كيف كان يتم تأهيل الأطباء للعمل بهذه المستشفيات الكبري ؟

الطبيب: سأقول لك..كان الطبيب الأستاذ يمر علي الحالات الطبية في الصباح ومعه الطلاب، فيدون ملاحظاته ويصف العلاج، وهم يلاحظون ويتعلمون. ثم ينتقل الأستاذ بعد ذلك إلي قاعات كبيرة يق{ا فيها الكتب الطبية علي الطلاب، ويشرحها لهم ويجيب علي أسئلتهم. وأخيرا، يعقد لهم امتحانا في نهاية كل برنامج تعليمي، ويعطيهم إجازة في الفرع الذي تخصصوا فيه.

عم أصيل: صحيح أنا رجل بسيط، إلا أن الحياة وعملي بالزراعة علماني أن الممارسة العملية مهمة جدا حتي يتعلم الإنسان. ولكن معذرة، هل كان الفقراء يملكون المال الكافي للعلاج بمثل هذه المستشفيات الفخمة؟

الطبيب: يا عم أصيل، هذه الخدمة الطبية الراقية كانت تقدم لجميع المرضي في الدولة الإسلامية بلا تفرقة بينهم بسبب لون، أو عرق، أو دين أو غني وفقر. ولك أن تعلم أن العلاج كان غالبا بالمجان للغني والفقير علي حد سواء. وكان يقدم للمرضي أطايب الطعام والكميات المناسبة منه بلا تضييق عليهم، حتي أنه كان من علامات الشفاء أن يأكل المريض رغيفا كاملا ودجاجة كاملة في الوجبة الواحدة!

عم أصيل (ضاحكا): ليتني كنت مريضا

الطبيب ضحك ثم قال: رزقك الله الصحة يا عم أصيل. دعني أكمل لك: فإذا أصبح المريض في دور النقاهة دخل في قاعة مخصصة للناقهين، حتي إذا تم شفاؤه أعطي ثيابا جديدة دون أجر، إلي جانب مبلغ من المال يكفيه إلي أن يصبح قادرا علي العمل، حتي لا يضطر للعمل في فترة النقاهة فتحدث له انتكاسة!

عم أصيل (ضاحكا): ألم أقل لك.. ليتني كنت مريضا، ثم أطرق حزينا: لا ليتني كنت في عصركم

الطبيب (وقد أمسك يد عم أصيل وكأنه يودعه، وكانت القافلة قد عادة مرة أخري إلي آلة الزمن): قدر الله وما شاء فعل يا عم أصيل.. أخبر الناس عما سمعته مني علّ الله ينفع بهذه الأفكار أحداً فتنفَّذ، وحتي يعرف المسلمون كم هي عظيمة حضارتهم.. أخبرهم علّ الحماسة تدب فيهم فيعيدوا أمجاد أجدادهم.

ترك الطبيب يد عم أصيل، وعاد بظهره نحو آلة الزمن ملوحا لعم أصيل وعيناه تدمعان. ظل يعود بظهره حتي دخل آلة الزمن وانغلق الباب، وارتفعت آلة الزمن مرة أخري إلي السماء، وعم أصيل يلاحقها بعينيه اللتين تدمعان، ويلوح بيده وهو يفكر في هذا اليوم العجيب والجميل الذي لن ينساه ما بقي.

المصدر: المعلومات التاريخية المذكورة في هذه القصة حقيقة، ومصدرها: كتاب “العلم وبناء الأمم” للدكتور/ راغب السرجاني.

قول يا قلم

– ممكن تعرفنا علي نفسك أكتر؟

– أنا اسمي قلم جرافيت، لي أصحاب كتيييير تانيين هم القلم الجاف والحبر والفلومستر والخشب الألوان.

– قلم جرافيت؟ هو انت مش اسمك قلم رصاص؟

– قلم رصاص ده اسم الشهرة… إنما أنا قلبي من الجرافيت مش من الرصاص

–  طب وجه منين اسم الشهرة ده؟

– أصل أنا زمان في الأول خالص كانوا بيصنعوا قلبي من الرصاص، وبعدين لما تم اكتشاف تراكمات الجرافيت في إنجلترا وفي مناطق مختلفة في العالم، بدأوا يعملوا قلبي من الجرافيت لأنه أثره أوضح من الرصاص

– طيب قل لي يا قلم، انت مبسوط انك قلم رصاص ولا انت كان نفسك تكون زي حد تاني من أصحابك، يعني مثلا جاف أو حبر أو خشب ألوان أو فلومستر؟

– شوفي… أصحابي كلهم حلوين وباحبهم كلهم، بس احنا زي البشر تمام، كل واحد فينا له دوروله الحاجات اللي بتميزه …  يعني مثلا، أنا بيستخدمني الأطفال أول ما يبتدوا يتعلموا الكتابة في المدرسة، وبعدين لما بيكبروا شوية بيبدأوا يستخدموا القلمة الجاف أكتر. والفنان مثلا لما بييجي يرسم لوحة بيرسم بي أنا الأول، وبعدين يلون بالألوان الفلومستر والخشب… فعشان كده لا أنا ولا أصحابي حد فينا اتمني يوم إنه يكون زي التاني، لأننا مش بس متميزين عن بعض ولكن لأننا كمان بنكمل مع بعض.

– امممم… تعرف إنكم فعلا عاملين زينا إحنا البني آدمين: إحنا كمان فينا اللي ربنا خلقه عشان يعلم الناس، وفينا اللي خلقه عشان يعالجهم، وفينا اللي خلقه عشان يجيب لهم حقوقهم. وعشان كده فيه مننا اللي شاطر في الكتابة، وفينا اللي شاطر في الرسم، وفينا اللي شاطر في إنه يساعد الناس يحلوا مشاكلهم، وكلنا في الآخر محتاجين لبعض. طيب قل لي يا قلم إنت كان شكلك عامل إزاي أول ما اتولدت؟

– أنا زمان كنت عبارة عن عود جرافيت ملفوف ببعض الخيوط

– خيوط؟! يعني مش خشب؟

– لأ، لحد ما زوجين إيطاليين كانوا بيشتغلوا في النجارة فكروا إنهم يعملوا لي غلاف خشبي

– امممم … طيب ممكن تقول لنا يا قلم إيه المراحل اللي انت بتمر بيها لحد ما تكون جاهز إنك تؤدي دورك؟

– أولا، قلبي بيتعمل من مسحوق الجرافيت مع الطمي، وبيتشكل الخليط ده في شكل أعواد، وبعدين الأعواد دي بيتم حرقها في فرن. وعلي حسب نسبة الطمي والجرافيت، بتتوقف درجة صلابتي.

– دي الخطوة الأولي… اللي هي صناعة القلب. إيه الخطوة اللي بعد كده؟

– الخطوة التانية عشان أقرب لكم الموضوع عبارة عن سندوتش (بس مابيتاكلش ههههه): شريحتين خشب كل واحدة منهم فيها حفرة وبيتحط بينهم عود الجرافيت في الحفرة دي.

– وبعدين؟

– وبعد كده بادخل في مكنة بتخلي الحواف بتاعتي بالشكل اللي انتو عارفينه، وباتدهن بلون معين حسب البلد بتاعتي، وبعدين بيتركب فيّ الأستيكة.

– يااااه … دانت بتمر بمراحل كتييييرة أوي لحد ما بتوصل لنا بشكلك الجميل ده.

– طبعا يا … أي حاجة في الدنيا بتحصل بالتدريج. يعني أنا مثلا عارف من أصحابي الرسامين إن ممكن يكون رسمهم مش حلو أوي أوي وهم صغيرين، بس لما بيتعلموا وبيفضلوا يحاولوا بيرسموا أحسن. والكتاب كده باردو، أسلوبهم في الكتابة بيتحسن مع الوقت. وأصدقائي الأطفال، ساعات مش باعرف أقرأ خطهم وهم  لسة بيتعلموا الكتابة في الأول خالص، بس بعد كده لما بيحاولوا يحسنوا خطهم بيبأي خطهم جميل أوي

– عندك حق يا قلم، أهم حاجة الواحد ما ييأسش ويفضل يحاول. طيب احنا بنلاحظ إنه بيبأي ساعات مكتوب عليك حروف إنجليزي كده ..أأ

– آه آه، الـH  والـB … شوفي: الـH دي بتعبر عن صلابة السن، والـ B بتعبر عن درجة سواد لوني، يعني غامق أوي ولا نص نص ولا فاتح

– آها .. فهمت. طب قل لي: إيه أكتر تطور اتطورته وانت مبسوط بيه؟

– امممم … آه… عارفة إيه؟

– إيه؟

– إنه بأي فيّ أستيكة عشان أقدر أصلح بيها أخطائي

– بس الأستيكة دي بتخلص

– ما هو أنا عشان كده لازم أتعلم من أخطائي وأحاول ماكررهاش عشان الأستيكة ماتخلصش بسرعة

– وانت كده شايف طيب إنك وصلت لأحسن وضع ممكن تبأي فيه؟

– أكيد أنا مبسوط باللي أنا وصلت له لحد النهارده. وفي نفس الوقت، أنا عندي طموح أفضل أتطور لحــــــــد  آخر يوم في الدنيا.

– يعني إزاي مثلا؟

– يعني ممكن يعملوا مني القلم الشوكة

– القلم الشوكة ؟!!

– آه.. يعني من ناحية قلم ومن الناحية التانية فرعين: فرع فيه الأستيكة طبعا (لأني ماقدرش أستغتي عنها) وفرع فيه الشوكة عشان أسهل ع الناس ويقدروا ياكلوا وهم بيكتبوا بيّ.

– ههههههه … حلوة أوي الفكرة دي، وأنا أول واحدة هاشتريه… وبيبأي إحساسك إيه يا قلم لما بتتبري؟

– باتوجع أوي في الأول، بس بعد كده باتبسط لأني باكتب أحسن بعدها.

– تعرف إنت فكرتني بكلمات جميلة أوي سمعتها في أغنية بتقول “وكل نار تطولنا بنخرج منها أأوي” يعني المشكلات اللي بتحصل لنا في حياتنا آه احنا بنتضايق منها شوية في الأول بس بنتعلم منها. وإيه أهم جزء فيك يا قلم؟

– قلبي… لأنه هو اللي بيكتب سواء بأي كان لوني أسود ولا احمر ولا ولا

– تحب تقول إيه لأصدقائك الألمة؟

– أحب أقول لهم: لازم تستمروا في الكتابة مهما كانت الظروف ومهما كانت صعوبة المهمة اللي انتم مكلفين بيها، ولازم تسيبوا أثر وراكم… آه علي فكرة، في صديق عزيز أوي عليّ نسيت أقول لكم عليه.

– مين هو؟

– قلم القدر، وهو موصيني أبلغكم رسالة

– قول يا قلم

– بيقول لكم: يا بنيئادمين، أنا خلاص كتبت كل حاجة هاتحصل لكم… اعملوا اللي عليكم، بس بعد ما تعملوا اللي عليكم، ارضوا بالمكتوب سواء حصل اللي انتو عايزينو ولا لأ

– تحب تسأل الإنسان إيه يا قلم؟

– لو كنت قلم، كنت هاتكتب إيه؟

– سؤال حلو أوي… ممكن أجاوب؟

– طبعا .. يا ريت

– لو كنت قلم، كنت هاكتب للناس: كونوا كالقلم الرصاص… انتو كمان يللا قولوا لو كنتو قلم كنتو هاتكتبوا إيه؟