أخيراً جددت الحمام!

كانت واحدة من أقوى أماني “ذات” إنها تجدد الحمام، خاصة بعد ما زارت صاحبتها “منال” وشافت حمامها جميل إزاي. يمكن عندها حق شوية خاصة إن سباكة حمامها كانت بايظة ومبهدلة حمام جيرانهم اللي تحتهم. بس اللي لفت نظري إن تعاملها مع الموضوع كان مبالغ فيه شوية، يعني كل شوية تعيط لجوزها عشان يجددوا الحمام، تحلم بتجديد الحمام وتصحى من النوم مفزوعة بسبب كابوس شافته عن الموضوع ده!

قالت جملة لجوزها خلتني أشوف الموضوع من زاوية تانية وأتعاطف معاها شوية “أنا عمري كله باقضيه في المطبخ والحمام من ساعة ما بارجع من الشغل، يا باطبخ يا باغسل” فمن حقها يعني إنها تقضي وقتها في مكان كويس.

لكن برضه مش أقدر أبلع ردود أفعالها المبالغ فيها دي للآخر. لكن نقدر نبلعه لو فهمنا هي ليه في الحقيقة بتعمل كده.

الحقيقة إن “ذات” مش راضية عن حياتها ولا عن نفسها، حياتها بهتانة وماسخة. اتعرضت لإساءات كتيرة في طفولتها وفي حياتها سايبة أثر في شخصيتها وفي صورتها أمام نفسها. ده بالإضافة إلى إنها لما وافقت على جوزها ساعة ما تقدم لها مش وافقت عن اقتناع بشخصيته أو عن حب له، وإنما عشان كل صاحباتها اللي في سنها اتجوزوا وهي خافت تعنس، وكمان كانت فرحانة بفكرة إنها عروسة ومخطوبة وكده. وطبعاً لما اتجوزت، زالت الغشاوة من على عينيها وبدأت تشوف بقى الحياة على حقيقتها بحلوها ومرها. بدأت سلبيات شخصية جوزها تبان أو نقدر نقول إن هي بدأت تشوفها. إلى جانب إنها اتعرضت للختان وهي صغيرة وطبعا ده مؤثر على علاقتها بزوجها.

الخلاصة إن هي عندها مشاكل كتيرة في حياتها وفي شخصيتها، ناتج عن المشاكل دي مشاعر سلبية كتيرة بس هي متجاهلاها أو بتنكرها أو كابتاها، مش متواجهة معاها يعني. فالمشاعر دي عاوزة تنفس عن نفسها بأي طريقة، فعشان كده بتظهر في مواقف مالهاش علاقة بمشاكلها الحقيقية وبشكل مبالغ فيه.

ولأن حياتها ككل مالهاش معنى، فبتحاول تلاقي المعنى ده في حاجات صغيرة زي مثلاً إنها تجدد الحمام، وبعده ما تحقق الهدف ده أكيد هيظهر هدف تاني من النوع ده، زي إنها تشتري غسالة فول أوتوكاتيك مثلاً، وهكذا.

أنا مش بانكر على حد إنه يحب يجدد في بيته أو يعيش في مكان جميل ونظيف، لكن أنا باتكلم على ردود أفعالها المبالغ فيها وعلى إن شغلنا الشاغل في الحياة يكون إننا مثلاً نجدد الحمام!

فى بداية سنة جديدة اعمل كشف نظارة!

تخيل لو لبست نظارة طبية مش بتاعتك وقضيت بيها – نقول – كام ساعة بس.. هيكون إحساسك إيه؟ وإيه اللى هيحصل؟ كوارث طبعاً، وخبطات، وإصابات، وخسائر فى الأشياء ويمكن الأرواح! وطبعاً إحساس مزعج جداً أنك مش شايف كويس، وكل حاجة ملخبطة كده، وصداع، وعصبية.

الخبر اللى مش حلو أن كلنا بنلبس فى حياتنا ساعات نظارات مش بتاعتنا، يعنى إيه؟ بمعنى إن بيكون عندنا أفكار غلط ومشوهة عن نفسنا وعن الحياة والناس وربنا. الأفكار دى اللى بتتحكم فى مشاعرنا وتصرفاتنا.

فمثلاً لو واحد فكرته أن “كل” الناس عاوزة مصلحتها وبس، مش هيقدر يمتن لأى حد بيساعده فعلا لوجه الله لأنه هيكون عنده إحساس بالتوجس فى هذا الشخص. لو واحدد مثلاً عنده إحساس بالدونية والرفض، مش هيقدر يستقبل حب الناس وهيبقى دايماً حاسس إنهم بيجاملوه وأى هفوة منهم هيفسرها إنها قلة اكتراث أو عدم اهتمام. وده خلانى أفهم معنى إن اللى بيسئ الظن بغيره فالمشكلة بشكل كبير عنده هو شخصياً، المشكلة فى نظارته، وكل إناء ينضح بما فيه.

المشكلة الأكبر بقى مش لما يكون الواحد لابس نظارة غلط، لكن لما يكون مش واخد باله أصلاً أنه لابس نظارة غلط أو لما يكون ماعندهوش استعداد يجرب نظارة تانية يمكن تريحه أكتر. هنا بقى بيكون العك، وهنا بقى نبدأ نغلط فى الناس ونبوظ علاقاتنا بيهم ونخسرهم. على عكس لما يكون الواحد واعى بنفسه شوية هيبقى عارف أن المشكلة فيه هو فده يفرمله شوية، حتى لو لسة مش قادر يجيب نظارة تانية على مقاسه.

وعشان كده فى نهاية 2012 بادعو نفسى وإياكم نختبر نظاراتنا عشان نخش على 2013 والدنيا قصادنا أوضح.

شاهدت لك: مهرج المرضى

220px-Patch_Adams

ينجو من محاولة انتحار فيقرر الذهاب إلى مصحة نفسية. ويبدأ علاجه فى جلسات فردية مع الطبيب وجلسات علاجية جماعية مع غيره من المرضى، ولكن كل هذا لا يساهم فى علاج بطل الفيلم “هنتر آدمز” أو كما أطلق عليه المرضى “باتش آدمز”، فالطبيب يقوم بعمله بطريقة آلية تخلو من أى نوع من التفاهم الإنسانى. فى هذه الفترة التى يقضيها “باتش” فى المصحة يقيم علاقات مع المرضى، ويكتشف أن السبيل إلى التغلب على كل آلامه هو فى مساعدة الآخرين.

فى المصحة النفسية تحدث الكثير من المواقف الطريفة والعميقة فى معناها فى نفس الوقت:

  • فهناك مشهد الطبيب أثناء جلسة المشورة مع “باتش” وهو يضبط كوب الشاى بوضع السكر واللبن ثم التذوق ثم إضافة المزيد، كل هذا والمريض “باتش” يتكلم! ثم يختتم الجلسة بمنتهى البرود الذى يدل على أنه لم يستمع حقاً لما قاله “باتش”.
  • وهناك مشهد “باتش” عندما يدخل على أحد المرضى (الذى فيما أعتقد لديه جنون العظمة) فى غرفته وهو يكتب ويضع بجواره كوباً من الشاى قد أصاب خرق فأخذ الشاى يتسرب منه. لاحظ “باتش” ذلك فقام فى صمت بلصق Patch أو رقعة على مكان الخرق فتوقف تسرب الشاى من الكوب، وهنا تغيرت معاملة المريض لـ”باتش” تماماً، فقد استطاع بتصرف صغير جداً أن يعبر عن اهتمامه الصادق به، وكان هذا الجسر الذى عبر عليه إليه.
  • أما المشهد الثالث والذى أعجبنى جداً فأترككم تشاهدونه بأنفسكم على هذا الرابط:

http://www.youtube.com/watch?v=WfGHIl4rHw4 (لم أستطع أن أجده مترجماً للأسف)

يقرر “باتش” الخروج من المصحة ويلتحق بكلية الطب ليقوم برسالته فى مساعدة الآخرين. وينظر “باتش” إلى مهنة الطبيب بشكل مختلف حيث يركز على الجانب الإنسانى ويعامل المرضى كبشر وليس كحالات، ويفعل فى سبيل ذلك أشياء مضحكة أحياناً وغريبة أحياناً ورقيقة أحياناً، وهى فى جميع الحالات غير تقليدية بالنسبة لأساتذته وزملائه. ويتمسك “باتش” برأيه وأسلوبه ويخوض فى سبيلهما الكثير من الصراعات التى تنتهى بقرار أستاذه بفصله من الكلية بتهمة “السعادة المفرطة”! ويتقدم “باتش” بتظلم إلى جهة علمية أو طبية عليا (لا أذكر اسمها أو صفتها بالضبط) فتحكم ببقاء “باتش” فى الكلية.

الفيلم بشكل عام أعجبنى، وأعجبنى ما يوصله من معانٍ إنسانية وبطريقة فكاهية. ربما لم يعجبنى فيه ما شعرته من مثالية زتئدة فى شخصية “باتش”. كما أننى أيضاً لم أقتنع تماماً بفكرة أن مساعدة الآخرين يمكن أن تكون هى العلاج “الوحيد” لمن يعانون من ضغوط ومتاعب نفسية كبيرة. ففى رأيى، والذى قد أكون مخطئة فيه، أننا بغير استكشاف عميق ومواجهة صادق مع ما يؤلمنا حقاً فإن مساعدة الآخرين “وحدها” تصبح هرباً وربما تضر بنا وبمن نساعدهم!

أنا… وأبى

لم تحظَ باهتمام أبيها فى الحقيقة فحصلت عليه لنفسها فى الصورة. تالا فتاة مراهقة تعيش مع أمها المنشغلة بكتبها ودوراتها حتى أنها تقوم بالقراءة أثناء الطبخ. أما أبوها فمنفصل عن أمها ويسكن فى مدينة أخرى، يسكن فى بيت هو نفسه الأستوديو الخاص به مع ابن زوجته الثانية “جمال” والذى يعمل معه كمساعد له، فأبوها مصور شغوف بعمله شغفاً.

قررت تالا أن تقصر شعرها جداً حتى تلفت نظر أبويها، فالإنسان إذا لم يحصل على الاهتمام الذى يحتاجه وخاصة فى طفولته فسوف يظل لديه جوع للحصول على هذا الاهتمام عندما يكبر وبأى شكل. تعاملت الأم مع الأمر ببرود شديد، أما أبوها فعندما أتى تعجب وضاق بذلك ولكن الأم هدأته قائلة بأن مثل هذه التصرفات طبيعية فى سن تالا.

اصطحب الأب تالا لتقضى معه أسبوعاً، كانت تالا تتصور أنها أخيراً ستستطيع أن تقضى بعض الوقت مع أبيها، ولكن أحلامها ذهبت مع رياح الواقع التى كانت تنقل أبيها الشغوف بعمله من مكان إلى مكان. كانت الفتاة ذكية فقررت أن تتقرب إلى أبيها وأن تقول له ما تريد أن تقوله بلغته، وهى الصور الفوتوغرافية فقد كان الأب المصور يرى أن الكاميرا تستطيع أن ترى أشياء لا يراها الإنسان وتسجل لحظات لا يعيها. وقد دفعنى تصرف تالا إلى التساؤل عمن المفترض أن يقوم بالتقرب إلى الآخر: الآباء أم الأبناء؟ فى رأيى أنه بالأساس دور الآباء وخاصة فى سنوات الطفولة والمراهقة لدى الأبناء، ويستطيع الأبناء أن يقوموا بهذا الدور عندما يصلون إلى مرحلة من النضج تمكنهم من ذلك. هذا النضج سيساعد عليه الحصول على الاهتمام الكافى من الآباء فى سنوات النمو وكأنه رصيد يضعه الآباء فى قلوب الأبناء ليستطيع الأبناء الاعتناء بأنفسهم وبالآخرين عند الكبر. حرمان الإنسان من هذا الاهتمام لا يمنع نضجه بالطبع ولكنه يعطله وربما يجعله أصعب.

المهم، تعلمت تالا التصوير على يد “جمال” وخرجت تتبع أباها دون أن يراها وأخذت تلتقط له صوراً عديدة، كان من ضمنها صورة له وهو يتكلم مع أحد فاتحاً ذراعيه حيث كان يصف حجم إحدى صوره. واشتركت “تالا” بهذه الصورة (بعد أن أجرت عليها تعديلاً بمساعدة “جمال”) فى مسابقة للتصوير الفوتوغرافى أقامها أحد المعارض، واشترك أبوها فى نفس المسابقة. وفى يوم إعلان النتيجة ذهب الأب ومعه “تالا” و”جمال”، وأزيح الستار عن الصورة الفائزة وكانت صورة الأب فاتحاً ذراعيه ومقبلاً نحو “تالا” وكأنه يحتضنها.. لقد كان هذا هو التعديل الذى أدخلته “تالا” على الصورة التى حققت فيها ما لم تستطع تحقيقه فى الواقع.

بعد أن عشت مع “تالا” كل هذه الأحداث وتأثرت بمشاعرها، تكشف لنا الكاتبة أن هذا كان حلماً! ولكن الحلم بدأ يتحقق فقد قصرت “تالا” شعرها فعلا وجاء أبوها ليأخذها معه لقضاء بعض الأيام سوياً، وفى الطريق عبرت له عن مشاعرها نحوه واحتياجها إليه وكان من ضمن ما قالت: “أنا أحتاج إليك… أنا لست خائفة لكنى أريد أن يمسك أبى بيدى”وبينما كانت تواصل حديثها اقترب منها أبوها وهو يفتح ذراعيه على اتساعهما فارتمت تالا بين ذراعى أبيها، ظلا متعانقين وقد يظن البعض أنه أمام صورة فوتوغرافية رائعة…

لقد أمسكت بالقصة فلم أستطع وضعها من يدى حتى أنهيتها فى حوالى ساعتين، الأسلوب سلس، ومختلف من حيث أن الكاتبة تنوع فى الراوى، بالإضافة إلى قدرتها الرائعة على وصف مشاعر تالا وأفكارها فى مختلف المواقف..

تأليف: فراسيس روال، ترجمة منى سمير، دار إلياس العصرية للطباعة والنشر

يوم فى أسيوط

دخلت تسلم علينا وقد ارتسمت الصدمة على وجهها، يمكنك أن ترى الصدمة متجسدة فى نظرة عينيها الذاهلة الشاردة، وحركتها التى تشعر منها أنها معنا بجسدها فقط أما روحها ففى مكان آخر، لقد تعلقت بطفلها الذى توفاه الله فى حادث قطار أسيوط الأليم.

وهذه أم أخرى جلست على السرير، منكسرة، مطرقة برأسها إلى أسفل، عندما يناولها أحد شيئاً تضعه أمامها فى لامبالاة، تنطق ملامحها بأنه لم يعد للحياة معنى بعد أن فقدت جزءاً من قلبها وأعز من لديها.

وهذه أم لبنتين توأم (آيات وإيمان) تكاد لا تفرقها عن باقى نساء المنزل من الابتسامة التى تزين وجهها بزينة الصبر والثبات، وقد قالت لنا: “أنا مش حاسة إنكم جايين تعزونا، أنا حاسة إنكم جايين تحتفلوا معانا واحنا بنزف عروستين”… وانتهى اللقاء بيننا وبينها وحضن ملئ بالمشاعر التى لا توصف بالكلمات ولكنها تحس فى القلب…

الحزن يملأ البيوت ويعصر قلوب الأمهات، ولكن ربما يخففه قليلاً الصبر، وربما يهونه أيضاً التآزر والتعاطف والتراحم الذى نكاد نشعر عندما نشاهد وسائل الإعلام أنه حلم من الماضى! فلا تجد أهل بيت وحدهم ولكنك لا تدخل بيتاً إلا وتجده مليئاً لا بأسرة المتوفى فقط ولكن العائلة والجيران…

الموقف صعب، عجز لسانى عن الكلام إلا عن الدعاء… ولكنى شعرت أن تواجدنا ومشاعرنا كانا يغنيان عن الكلام… فإن ما يحتاجونه مشاعر وليس كلاماً.

قالت لنا إحدى السيدات من أهالى المتوفين: “زياراتكم دى بتخفف عنا كتير”… سعدت واستبشرت عندما سمعت هذه الجملة لأنى كنت متخوفة أن نكون بذلك نثقل عليهم أو نجدد أحزانهم، ولكن البيوت مفتوحة والقلوب مرحبة وسعيدة بمن جاءوا من القاهرة فقط لتقديم العزاء.

ورغم الحزن ورغم رقة الحال فأهلنا فى الصعيد أهل كرم، لم ندخل بيتاً إلا وكان أهله يصرون على أن “ناخد واجبنا” أو نشرب الشاى، أو “ندخل الحمام نتشطف” لأننا قادمون من سفر.

لا أخفى الشعور بالقلق الذى انتابنى: هل لو كنت مكان واحدة من هؤلاء الأمهات أو أصبت بأى ابتلاء شديد مثل هذا… هل أستطيع أن أصبر وأرضى؟؟ فاللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، وارزقنا وإياهم الثبات والصبر.

وأخيراً، لو لم نأخذ من سفرنا هذا سوى دعاء الأهالى “ربنا يستركم” لكفى…

————-

شكراً لصفحتى “على فكرة أنا مصرى” و”فسحنى شكراً على إيجابيتهم وتنظيمهم لهذه الزيارة:

https://www.facebook.com/3la.fekra.ana.masry

https://www.facebook.com/Fasa7ny.shokran?ref=ts&fref=ts

بعض صور الزيارة:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=559194567430120&set=a.559194520763458.148483.208738142475766&type=3&theater

البائعون يقفون

“لو شافنى قاعدة يزعق، من ساعة ما اشتغلت هنا وأنا طلعت لى دوالى فى رجلى” قالت لى  هذا الكلام سيدة بائعة فى أحد المخابز الأفرنجية فى الأربعينيات أو الخمسينيات من عمرها متحدثة عن صاحب الفرن، وسمعت نفس الشكوى قبلها بأيام قليلة فى أحد متاجر الملابس.

أتفهم أن يقف البائع عند وجود مشترٍ أو زبون بالمحل لكن أن يقف طوال الوقت هذا هو ما لا أتفهمه ولا أعقله. كيف يستطيع البائع المتعب الذى يعانى من آلام فى رجليه بسبب الوقوف طوال اليوم أن يهش ويبش فى وجه الزبائن، وأن يكون لطيفاً معهم، ومتحملاً لطلباتهم وسخافاتهم أحياناً؟ ألا تدخل أحد المتاجر أحياناً وترغب فى الشراء منه فقط لأن البائع لطيف ومؤدب، وعلى العكس فى متاجر أخرى حيث يشعر الواحد أنه لا يريد أن يكمل مشاهدة معروضات المحل فقط بسبب البائع العبوس الذى تشعر وأنه يريد أن يضربك؟!

بصراحة أنا لا أستطيع تفسير هذا التصرف من أصحاب المحلات سوى بأحد تفسيرين: انعدام للتراحم، أو غباء.

فى مرة بكى جمل بين يدى النبى (صلى الله عليه وسلم)، وسأل النبى (صلى الله عليه وسلم) عن صاحبه وقال له: “أَفَلا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاهَا؟! فَإِنَّهُ شَكَى إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ” هذا فى حيوان، فما بالنا بالإنسان!

هذا عن التراحم، أما عن الغباء والذكاء فى معاملة الموظفين فأترككم تشاهدون هذا الفيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=oOo2YzfQjao

الشقة الجديدة

“أنا عايشة لوحدى.. أيوه عايشة لوحدى.. وإحساس وحش أوى لما الواحد يكون عايش لوحده ويتصل بحد فى التليفون فيلاقيه مش بيرد أو قافل الموبايل… لما بيحصل معايا كده باحس بوحدة فظيعة! ساعات بيبقى نفسى أتكلم مع حد، ولما مابالاقيش حد أتكلم معاه، بابص فى المراية وأقعد أكلم نفسى. ساعات باحس إنى مجنونة! ممكن تكونوا بتسألوا نفسكم: ليه أنا عايشة لوحدى؟ وإزاى مش خايفة على نفسى؟ ويمكن تكونوا بتقولوا جواكم علىّ إنى بنت مش كويسة. كل اللى بيعرفوا إنى عايشة لوحدى بيقولوا علىّ كده، حتى لو مش بلسانهم بس بنظراتهم.. بس لو عرفتم أنا ليه عايشة لوحدى هتعذرونى.

ماما ماتت وأنا صغيرة، يعنى وأنا عندى 5 سنين كده. وبابا اتجوز واحدة تانية، توقعت إنها هتكون زى ماما، وإنها هتعوضنى عن الحب والحنان اللى فقدتهم بموت ماما لكنى كنت باحلم وحياتى مع الست دى كانت كابوس! بابا كان بيخرج الصبح يروح الشغل ومايرجعش إلا بالليل، يعنى هى اللى كانت قاعدة بوزى فى بوزها طوووول اليوم. والمصيبة أنها ماكانتش بتشتغل، وعشان كده أنا كنت عكس كل الأطفال باكره الأجازة لأنى هافضل قاعدة فى وشها طول اليوم، لكن أيام الدراسة كان نص اليوم بيعدى فى المدرسة، كنت باشوف أصحابى وبالعب معاهم وباتكلم معاهم. لكن فى الأجازة كنت بافضل قاعدة فى البيت، حابسة نفسى فى الأوضة، برضه لوحدى! يظهر الوحدة دى مكتوبة علىّ من زمان! بالعب بلعبى لوحدى، ماكانش فيه حد أكلمه إلا لعبى، كنت باقعد أفتكر ماما وأعيط… وهى ماكانتش تيجى لى الأوضة إلا لو عاوزانى أساعدها فى حاجة فى البيت أو عاوزانى أنزل أشترى لها حاجة من تحت. وماكانتش أبداً بتنادينى باسمى، كانت دايما تقول لى: يا زفتة، روحى يا زفتة، تعالى يا زفتة.. لدرجة إنى نسيت اسمى! كانت برضه بتفتكرنى فى حالة تانية: قبل ما بابا يرجع من الشغل بنص ساعة كده ألاقيها داخلة علىّ الأوضة وتيجى تشدنى من إيدىّ وتقول لى: يللا يا زفتة قومى أحميكِ عشان أبوكِ يرجع من الشغل يلاقيكِ نظيفة. وبعد ما تحمينى تسرح لى شعرى وتلمه لى ديلين حصان، وتحط لى بارفان وتسيبنى أكمل لعب. عمرها ما كانت بتاخدنى فى حضنها إلا قصاد الناس عشان تبان بس إنها حنينة علىّ. ولما خلفتْ، فرحتُ بالنونو الصغير وقلت أخيراً جالى أخ ألعب معاه بدل ما أنا بالعب لوحدى علطول لكن… لكن للأسف كنت عبيطة لأن معاملتها معايا بقت أسوأ من الأول. طول النهار كانت بتشغلنى فى البيت، وزعيق وشتيمة وتلطيش على الوش لو اتكلمت ولا قلت لأ ولا غلطت فى حاجة.. كنت باحس بالرعب.. خايفة أعمل أى حاجة.. خايفة أغلط.. كان قلبى بيتقطع وأنا شايفة أخويا الصغير بيتعامل معاملة تانية خااااالص غير اللى أنا باتعاملها. طبعا هو كانت علطول بتضحك له، وتلاعبه، وتكلمه بصوت كله حنية وفرحة.. لكن لما تشوفنى أنا بتحول علطول على المحطة التانية! وغصب عنى بقيت أغير من أخويا وأكرهه.

ممكن تسألونى: طب ليه ماكنتيش بتقولى لباباكِ؟ هتستغربوا لما تعرفوا أن بابا كان عمره ما بيسألنى طنط عاملة معاكِ إيه؟ ولا كان عمره بيحس إنى متضايقة أصلاً. هو كان بيرجع من الشغل، يخش علىّ الأوضة ويقول لى ازيك يا سوزى، ويبوسنى ويحضننى حضن بارد وسريع، ويسألنى اتعشيتِ؟ أقول له: أيوه يا بابا، يقوم يطبطب على ظهرى ويقول لى: طيب يلا كملى لعب، ويمشى ويسيبنى. سيناريو فضل يتكرر سنين وسنين. كان نفسى مرة يقعد ويسألنى: عاملة إيه؟ حاسة بإيه؟ كان نفسى مرة ياخدنى وينزل يتمشى معايا، ونقعد نتكلم مع بعض.. أنا كنت صغيرة، مش قادرة أتكلم كده من نفسى، مش قادرة أفهم نفسى، محتاجة حد يسألنى. بس هو كمان كان سايبنى لوحدى.

حتى أخويا الوحيد كان بيكرهنى، كرهته فىّ، وكرهتنى فيه، كتر خيرها! تخيلوا كانت بتقول له: دى عاوزة بابا يموت عشان تاخد فلوسه كلها، وكان لما يبقى عاوز يخرج معايا تقول له: لا، فيسألها: ليه يا ماما؟ فتقول له: أصلها هتسيبك فى الشارع لوحدك والحرامى ييجى ياخدك.

عدت السنين وكبرت وبقى عندى 14 سنة. كنت فى سن محتاجة حد يصاحبنى ويتكلم معايا، حطيت كل همى فى اللبس والماكياج والأغانى والمسلسلات. وفى مرة كده فكرت وقلت لنفسى: هم مش بيقولوا أعز الولد ولد الولد؟ ليه ماروحش أعيش مع جدتى؟ وقلت لبابا.. تخيلوا ماسألنيش ليه؟! ورحت عشت مع جدتى، وأنا متخيلة إنى هالاقى عندها الحنان والحب اللى ماتوا فى حياتى من يوم ما ماما ماتت.. بس للأسف جدتى كان خلقها ضيق وماقدرتش تستحملنى لأنى كنت مناكفة ومتمردة وكأنى كنت باطلع عليها الكبت اللى اتكبته السنين اللى فاتت كلها فى بيت بابا. فكلمت بابا وقالت له: تعالى خد بنتك، دى فى سن المراهقة وطايشة وأنا ست كبيرة ومش أدها أحسن تجيب لى مصيبة، تعالى خدها، البنت فى السن ده محتاجة راجل يشكمها. وفعلا جه بابا أخدنى.

وفى يوم حسيت أنى مش قادرة أعيش فى البيت ده خلاص أكتر من كده، ولاحظت فى الأفلام الأجنبى اللى كنت مدمناها إن الولاد والبنات من سن 16 سنة بيستقلوا بحياتهم، فقلت لنفسى: طب ليه ماعملش كده؟ بس هاقول لبابا إيه؟ ماكنتش عارفة بس كنت عارفة ومتأكدة إن هو ده الحل الوحيد للجحيم اللى أنا كنت عايشاه. صحيح أنا برضه عايشة دلوقت فى جحيم بس يعنى أهون شوية. المهم بدأت أدور على شقق إيجار ولقيت شقة فى وسط البلد اللى باعشقها. ومرة كده رحت وقلت لبابا: بابا، أنا عاوزة أعيش لوحدى. بص لى كده وسكت وسألنى: ليه، حصل حاجة؟ سكت لحظات وسرحت: حصل حاجة؟! أخيراً سألتنى السؤال اللى بقى لى 10 سنين مستنياه؟! هاحكى لك إيه ولا إيه؟! خلاص فات الأوان! وبعدين اتكلمت وقلت له: لأ أبدا مفيش حاجة حصلت، بس أنا كبرت وعاوزة أجرب أستقل بنفسى. سألنى: بس أنت مش هتخافى تقعدى لوحدك؟ طبعاً أنا كنت خايفة بس قلت له: لأ، هاخاف من إيه يعنى؟ فقال لى بمنتهى البرود: طيب يا حبيبتى، مفيش مشكلة. بصراحة كنت هاتجنن. أنا آه كنت عاوزاه يوافق، بس برضه كنت نفسى أحس إنه خايف علىّ، إنى أفرق معاه. ده أنا أصحابى فى الجامعة أبهاتهم بيعملوا لهم مشكلة لو اتأخرت الواحدة منهم شوية بس، مش هو عادى سايبنى أعيش لوحدى! قلت له: طيب، الشقة فى وسط البلد وإيجارها كذا. قام دخل الأوضة وراح جاب لى المبلغ اللى أنا عاوزاه وزيادة عليه شوية وقال لى: تصبحى على خير يا حبيبتى، وربنا يوفقك.

أخدت المبلغ فى فرحة وذهول وصدمة وقلق ومشاعر كتير كده ملخبطة. ماجاليش نوم طول الليل، وقعدت لميت حاجتى كلها، والصبح خرجت من أوضتى بشنطى، وكان بابا وطنط وأخويا قاعدين بيفطروا. قال لى: خلاص ماشية يا حبيبتى؟ قلت له: أيوه. قال لى: كنت عاوز أوصلك بس معلش مش هاقدر عشان ماتأخرش على الشغل، خدى تاكسى، وطلع من جيبه 50 جنيه واداها لى. قربت من بابا أبوسه فباسنى البوسة الباردة وحضنى الحضن البارد اللى اتعودت عليهم طول عمرى، ولسة هاقرب من طنط عشان أبوسها لاقتها بتبعدنى عنها وبتقول لى: أنا عندى برد. فقلت لها: سلامتك. وبعدين قربت من أخويا الوحيد عشان أبوسه راح بعد وشه عنى وهو مكشر وكأنه مش طايقنى. نزلت وأخدت تاكسى ووصلت بيتى الجديد. كنت فرحانة جدا، لأول مرة أحس إنى باتنفس حرية.

معلش أنا عارفة إنى طولت عليكم، أنا هاجرى شوية عشان أنا أخدت أكتر من وقتى. المهم، دخلت الجامعة واتعرفت على زميل لى فى الكلية. أعجبت بيه وارتحت له، وحسيت إن هو كمان بيبادلنى نفس المشاعر دى. لأول مرة فى حياتى بعد سنين طويلة من وفاة ماما، أحس إن فيه حد مهتم بى وأنا مهتمة بيه، إن فيه حد شايف فىّ حاجة حلوة، إن فيه حد بيسأل علىّ لما أغيب من الكلية أو لما أكون عيانة أو متضايقة. كنت باتكلم معاه فى كل حاجة إلا أى حاجة لها علاقة بمرات بابا، أو بإنى عايشة لوحدى. كنت خايفة يعرف فنظرته لى تتغير ويبعد عنى ويسيبنى. كنت مخبية الموضوع ده عن كل زمايلى فى الكلية. المشكلة أن طبيعة كليتنا كانت بتتطلب أننا ناخد شغل ونكمله معانا فى البيت، وكمان كانت بتعتمد على العمل الجماعى، فكنا كل مرة بنتجمع فى بيت حد فينا. وطبعاً لما كان بييجى الدور علىّ كنت باقعد أتحجج بأى حاجة: مرة أصل بابا تعبان، مرة أصلهم فى البيت مسافرين وأنا عند جدتى، أى حاجة. المهم، خلصت السنة الدراسية، كنت زعلانة أوى عشان زميلى اللى باحكى لكم عليه ده هيوحشنى جداً. وفى يوم وأنا نازلة من شقتى وخارجة فوجئت بزميلى نازل قدامى على السلم! وقفنا وسلمنا على بعض، وسألته: أنت بتعمل إيه هنا؟ قال لى أنه جاى يتدرب فى إجازة الصيف فى مكتب هندسى عندنا فى العمارة. نزلنا مع بعض. واحنا خلاص خارجين من العمارة، لقيت البواب بيجرى علىّ وهو ماسك فى إيده ظرف وبينادى: آنسة سوزى، آنسة سوزى.. والد حضرتك عدى من شوية وساب لك الظرف ده وبيقول لك: ينفع كده تقعدى 5 شهور ماتعديش على بابا تسلمى عليه؟!

سمعته وأنا فى ذهول، بصيت له وبصيت لزميلى، وزميلى كان باصص لى فى ذهول وحيرة وكأنه مستنى أشرح له اللى سمعه، والبواب فضل مادد إيده بالظرف وبيبص لى وبيبص لزميلى.. حسيت بالشلل التام للحظات، حسيت إنى عاوزة الأرض تنشق وتبلعنى، قلت فى نفسى: ياريتنى مت قبل ما أشوف اللحظة دى. ادورت وجريت على السلم وأنا منهارة فى العياط…..”

وانهارت سوزى فى البكاء ولم تستطع أن تكمل قصتها، فقدمت لها منة، عضو آخر بمجموعة المساندة النفسية، منديلاً وربتت على كتفها قائلة: “ياااااه يا سوزى، ألبتِ علىّ المواجع” وبدأت تحكى قصتها…

أيام من حياتى – زينب الغزالى

كيف ظلت ثابتة؟ وكيف ظلت حية؟ هذا السؤالان ظلا يدوران برأسى وأنا أقرأ كتاب “أيام من حياتى” – الصادر عن دار التوزيع والنشر الإسلامية –  لمؤلفته زينب الغزالى الجبيلى التى تنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. وتحكى زينب فى كتابها عن ست سنوات من حياتها قضتها فى السجن: اثنتين منها فى السجن الحربى وأربعة فى سجن القناطر.

وقد هالنى ما قرأته عن صنوف التعذيب البدنى والنفسى التى تعرضت لها من: تعليق كالذبائح وجلد بالسياط، والحبس فى زنزانة مظلمة مع الكلاب المدربة والفئران، ومحاولات انتهاك العرض، والتجويع والمنع من الماء واستخدام دورة المياه لعدة أيام متواصلة، وتقديم طعام وماء تأنفهما النفس إن قُدِّم، والحبس فى زنزانة الماء  التى تجلس فيها فيغطيها الماء حتى ذقنها، إلى إيقافها ووجهها إلى الحائط ليالى كاملة، ..الخ، وهكذا حتى أربع وثلاثين نوعاً من العذاب.. الخ.

هذا غير السباب والتجريح والإهانة بأقذع وأقبح الألفاظ. كانت تصرخ مستغيثة بالله فيتهكمون عليها قائلين: “أين ربكم هذا؟ لماذا لم ينقذكم؟ لو ناديتِ على جمال عبد الناصر… (ويقدمون لها المغريات)“! أشعر بالذهول أن يصدر هذا الكلام عن إنسان مسلم أو عن أى إنسان يؤمن بوجود إله. لقد ذكرنى هذا الكلام بما كان يقوله كفار قريش للصحابة وبما يقوله المتجبرون للمؤمنين المستضعفين فى كل زمان. كنت أقلب الصفحة تلو الأخرى وأنا لا أصدق أن مثل هذه الجرائم يمكن أن تصدر عن مسلمين، بل عن بنى آدم، بل إن حتى الحيوانات فى قلوبها رحمة عن هؤلاء.

من المواقف التى علقت بذهنى من الكتاب:

ذات يوم أدخل الشياطين عليها فى الزنزانة جندياً ليعتدى عليها ثم أغلقوا الباب عليها وتركوه يقوم بمهمته حتى يعودوا إليه بعد حين، إلا أن الجندى رفض أن يمسها بسوء وأخذ يرجوها أن تدعو له، ويسألها عن سبب وجودها فى السجن وتعرضها لهذا العذاب. وكان جزاء شهامته الإعدام رمياً بالرصاص!

وفى يوم آخر أُدخِل عليها جنديان آخران، وشُرِح لهما كيف يقومان بمهتمهما، ثم ترك واحد منهما معها وأمر بأن ينادى زميله بعد أن ينتهى من مهمته ليقوم معها بنفس الشئ. وعندما هم بالاقتراب منها “طبقت فى زمارة رقبته” حتى وقع صريعاً على الأرض والرغاوى البيضاء تخرج من فمه. شعرت بالذهول من هذه القوة التى تمكنت بها من ذلك رغم ما بها من آلام التعذيب وآثاره.

وفى مرة غفت، وكانت تشعر بالجوع والعطش الشديدين، فرأت مخلوقات كاللآلئ تحمل لها أصنافاً من الطعام فأكلت وشربت حتى استيقظت من نوها فى شبع ورى حتى كان مذاق ما اكلت فى المنام لايزال فى فمها!

  • وابتسمت ابتسامة ساخرة مهمومة عندما طلبت زينب الكلمة أثناء المحاكمة وكان من ضمن ما ورد فى كلامها كلمة “أسوة”، فأخذت القاضى نوبة هستيرية وأخذ يصرخ: “اسكتى اسكتى هى بتقول إيه؟ يعنى إيه (أسوة). إيه معناها الكلمة دى؟ ويكرر هذا. وهنا ضجت القاعة بالضحك على ذلك الذى حكموا عليه أن يكون قاضياً وهو لا يفهم معنى كلمة “أسوة”.

ومن المفارقات المضحكة المبكية عندما كانت مع حميدة قطب فى سجن القناطر، وكان بجوار حجرتهما عنبر ممتلئ بالسجينات المصابات بالأمراض المعدية، وكان فى نهاية المبنى دورة مياه سمح لهما باستخدامها مخالطين لهؤلاء المرضى. وفى الناحية الأخرى من المبنى، كانت توجد بعض النساء فى حجرات نظيفة مزينة، وكانت توجد كذلك دورة مياه صحية. وعندما سألت عن هؤلاء عرفت أنهن يهوديات. وتذكر زينب ما قالته السجانة عنهن: “قاعدين ومتنزهين، لا أحد يقول لهم كلمة ولا يؤخر لهم طلباً. زى البيت وأحسن شوية، كلهم جايين فى تجسس.”

وعندما طلبت زينب وحميدة بالسماح لهم بدخول دورة المياه النظيفة رفض طلبهما لأنها خاصة باليهود! إلا أن العجيب رد فعل اليهوديات اللاتى أتت واحدة منهن إلى زينب وحميدة قائلة: “أنا مرسيل مسجونة سياسية وطبعاً – بيننا وبينكم خلاف فى العقيدة، فأنا يهودية وأنتم مسلمون، لكن النفس لا تخلو من إنسانية، خاصة وقت الشدائد والمحن – فلا مانع أن تكون بيننا وبينكم معاملة طيبة فى السجن. أما خارجه فبيننا الحرب والقتال أو الخلاف فى الأهداف..” ثم أخبرتهما أنها أتت إليهم فى غفلة من المسئولين لتعرض عليهما بعض الخدمات قائلة: “نحن لدينا إمكانيات للأكل وإن كانت قليلة فسنقتسمها معكم، وسأتحرى ألا يكون فى الأكل ما هو محرم عندكم”. كما دبرت لهما أمر استخدام دورة المياه النظيفة.

ومن المواقف التى تأثرت بها جداً حتى كدت أذرف الدمع:

  • أن زوج زينب بعد سماعه الحكم عليها أصيب بشلل نصفى، وقد كان مصاباً بذبحة صدرية عند استيلاء عبد الناصر على شركاته، وأموالهن وأرضه، وبيته. وفى يوم، ذهب الطغاة إليه وخيروه بين تطليقها (وكان معهم المأذون) أو أخذه إلى السجن الحربى، وأصروا أن يقرر فوراً. واضطر الرجل إلى التوقيع على قسيمة الطلاق وهو يقول: اللهم اشهد أننى لم أطلق زوجتى زينب الغزالى الجبيلى. وقال لهم: اتركونى أموت بكرامتى، أنا سأموت وهى على عصمتى. وفعلاً لم يلبث أن توفى بعد هذه الحادثة بقليل.
  • عندما أتى خبر الإفراج عن زينب فقط (رغم أنها كانت تنفذ حكما بالأشغال الشاقة المؤبدة فى حين أن حميدة كانت تنفذ حكماً بعشر سنوات)، صرخت رافضة أن تخرج وتترك حميدة فى السجن وحدها فى هذا المستنقع الآسن، فاستحضروا لها حميدة فى غرفة المأمور حتى تهدئها. وفى نهاية اللقاء بينهما والذى طال، تعانقنا والدمع يخط مجراه على الوجوه والقلب ينبض بسرعة والنفس ويتررد، وانصرفت حميدة بأمر المأمور، وتمت إجراءات الإفراج عن زينب، وعادت إلى بيتها فى العاشر من أغسطس 1971م.

انتهيت من هذا الكتاب وأنا أدعو الله: ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، ولا تفتننا فى ديننا…

صفحات من تجربتى (3)

فى هذا المقال (الثالث والأخير) أواصل حديثى معكم عن مفاتيح نجاح م/عثمان مستعرضة أهم المواقف التى أعجبتنى وأثرت فىّ.

ذكاء اجتماعى

المرونة… الاهتمام بمصالح الناس… التواضع لهم.. هذه بعض المواقف التى رأيت فيها هذه المهارات والسمات:

كان م/ عثمان يحرص على إقامة علاقات طيبة مع أهالى أى منطقة يذهب إليها، وعلى ترك أثر من روائه يفيدهم. ففى بداية حياته العملية كان يقوم بإعادة بناء كفر أحمد عبده بالسويس. وذهبت سياراته للمحجر لإحضار زلط، فمنعها أهالى المنطقة من الدخول بحجة أن سياراتهم فقط هى التى من حقها الدخول. وقف م/عثمان بجوار أهالى المنطقة. واتفق معهم على أن تقوم سياراتهم بالنقل ثم سألهم عن الحمولة التى تستطيع نقلها فى اليوم فوجدها نصف ما يريد، فسألهم هل يدبرون له وسيلة أم ينقلها بمعرفته، فاختاروا أن يدبر هو وسيلة النقل. وقام بتجديد سياراتهم على حسابه حتى أنهم خفضوا له ثمن النقلة دون أن يطلب منهم.

وأثناء عمل الشركة بمشروع السد العالى بأسوان مثلاً استخدم الحمير لنقل التراب من الموقع رغم وجود معدات حديثة بالموقع ليفيد أهالى المنطقة، وأقام هناك العديد من المرافق العامة. كما أنشأ معهد تدريب “المقاولون العرب” لتدريب العاملين فى مختلف المهن لأن احتياجات العمل من العمالة المدربة كانت كبيرة وفى نفس الوقت غير متواجدة. ونتيجة لهذا، قدّم أهالى المنطقة للمهندس/ عثمان مساكنهم الخاصة للعاملين فى المشروع حتى يبنى لهم مساكنهم.

أما بالنسبة للعاملين بالمشروع، فقد وفر لهم وسائل ترفيه (نوادٍ، دور سينما… الخ)، ووسائل مواصلات تنقلهم من وإلى موقع العمل، ومساكن للمتزوجين، ومطعماً يعمل كل اليوم بلا توقف يجد فيه العامل ثلاث وجبات مجانية يومياً، وترمس شاى لكل سائق لكى يشرب الشاى كلما أراد دون أن يضيع الوقت بحثاً عن كوب شاى. كما أقام بالشركة جمعية تعاونية استهلاكية مهمتها إرسال مندوب لبيت كل عامل وملاحظ ومهندس يسأل عن احتياجات بيته – لا فقط من المواد الغذائية وإنما كل السلع حتى الكراريس وأقلام الرصاص – ويقوم بإحضارها.

كما كان يهتم بالعلاقات بين العاملين، وبلغ به ذلك الاهتمام أنه كان عندما يجد بوادر عدم انسجام بين العاملين، ينتقل إلى الموقع ليقوم بتصفية سوء التفاهم وإعادة الود بينهم، ولم يكن يلجأ فوراً إلى الجزاءات بل يحل المشكلة من جذورها. وكان يشعر بعدم الانسجام هذا دون أن يخبره أحد، من خلال متابعة معدلات الأداء والتنفيذ، فكان يجد الخلافات تقلل من هذه المعدلات والانسجام يزيدها.

احترامه للعمال أيضاً وتواضعه لهم من العوامل التى عادت عليه بالكثير من الفوائد، فمثلاً يشرب الشاى مع السائقين ويأكل معهم فيزيد عدد الحمولات التى ينقلها السائق فى اليوم دون دفع أى زيادة إلا التودد إليه. ليس هذا فحسب بل ساعده ذلك ذات مرة فى حل مشكلة كبيرة كانت تواجه العمل حيث كانت السيارة (الروسية الصنع) وهى تفرغ حمولتها فى عرض النهر تهوى إلى الخلف وتقع من فوق حافة النهر، فجاء عامل بالحل. حاولوا منعه من مقابلة م/ عثمان الذى أراد مقابلته وسمع منه الحل وسمح له بتجربته. وفعلا نجح ولم تتكرر هذه الحادثة أبداً.

التفكير الإبداعى والمرونة والاستفادة من إمكانيات البيئة ظهرت فى مشروع السد العالى حين واجهت العمل عدة مشكلات منها سكن العمال. وقد وجد م/ عثمان حلها فى سبايت البوص الصعيدى من مخلفات عيدان الذرة الرفيعة التى تنتشر زراعاتها هناك. يقول: “كنت أبحث عن حلول سريعة للمشاكل لتؤدى الأغراض المطلوبة ثم أعود لأبحث عن الحلول الأفضل فى جو أكثر هدوءاً”.

م/عثمان وزيراً للإسكان ونقيباً للمهندسين

عندما كان وزيراً للإسكان فى عهد السادات، وفى أحد المؤتمرات وقف أحد المواطنين يشكو أنه منذ ثلاثة أشهر يسعى فى دواوين الحكومة حتى تصرف له التعويض عن بيته الذى انهار، مع أن الدولة هى التى قررته له. فحص م/عثمان الأمر فى نفس المؤتمر، حيث سأل عن الخطوات اللازمة من أجل صرف التعويض وعرفها، وحسب الوقت اللازم لكل خطوة فوجد إجمالى الوقت المطلوب ساعتين بعد أن كان ثلاثة أشهر! فأصدر قراراً فى نفس المؤتمر ألا تتعدى المدة التى يتم فيها صرف مستحقات أى مواطن أربعاً وعشرين ساعة فقط.

فى انتخابات نقابة المهندسين: رشح نفسه بناء على مطالبة ثلاثة آلاف مهندس له بالترشح لمنصب النقيب. وفى يوم الانتخابات جاء الآلافات ليدلوا بأصواتهم (أكثر من العدد المعتاد) لدرجة أنه طلب منهم الرجوع لأن الصناديق لا تكفى فأدلى ثمانية آلاف منهم فقط بأصواتهم، فاز م/عثمان منهم بسبعة آلاف صوت. وفى عهد توليه النقابة، جعل اجتماع المجلس الأعلى للنقابة كل مرة فى محافظة مختلفة، كما زاد عدد من يدفعون الاشتراك من ثلاثة وعشرين ألفاً إلى مائة ألف عضو.

مواقف إنسانية

أثناء عمله بالسعودية، جاء إلى م/ عثمان صبىٌ فى الثالثة عشرة من عمره، يدعى “متعب”، يريد أن ينضم إلى ورشه ليتعلم قيادة سيارة لورى، وظل يعمل معه حتى أصبح شاباً. وعندما قام م/عثمان بتصفية أعماله فى السعودية أراد “متعب” مرافقته إلى مصر، ولكن م/ عثمان رأى أن بلده أولى به. مرت السنون وكبر “متعب” وأصبح من رجال الأعمال فى بلده. وذات يوم فوجئ به م/ عثمان فى مصر جاء خصيصاً لزيارته وليس لأى أغراض أخرى.

أثناء قيام الشركة بمشروع فى مدرسة البنات الابتدائية بالإسماعيلية، أسند م/ عثمان عملية تركيب البلاط إلى عامل متخصص وماهر اسمه “عبد العزيز”، لكن كان عيبه أنه يبدأ فى العمل ثم يتركه قبل أن يكمله ويبدأ فى عمل آخر وذلك حتى “يربط الزبون”. وفعلا أخذ “عبد العزيز” جزءاً من المال واشتغل ثلاثة أيام ثم اختفى شهرين. وفى أحد الأيام فى الساعة السادسة صباحاً، وجده م/ عثمان أمامه وهو خارج من بيته، فسلم عليه بحرارة وسأله عن صحته وأولاده ولم يكلمه فى المشروع، وكان “عبد العزيز” فى أشد الحاجة إلى سبعمائة جنيه، فأعطاها له قائلاً: تحت أمرك فى أى مبلغ. وبعد ثلاثة أيام فوجئ م/عثمان بعبد العزيز فى الموقع يقوم بتركيب البلاط دون موعد، ومعه خمسة عشر عاملاً – بعد أن كانوا من قبل أربعة فقط – حتى يعوضه التأخير. ورفض “عبد العزيز” أن يتقاضى أى أجر حتى ينهى عمله تماماً.

ذات يوم استلم م/ عثمان خطاباً من سيدة مصرية بسيطة ومعه شيك باسمه بمبلغ ثلاثة آلاف وسبعمائة جنيه (3700). لقد استشهد ابن هذه السيدة فى حرب أكتوبر وتقاضت هذا المبلغ من الدولة كتعويض. وأرادت أن تبنى بهذا المبلغ مسجداً باسم ابنها الشهيد، ولهذا أرسلت بالشيك للمهندس عثمان قائلة أنها سمعت عنه أنه رجل طيب فلم تستأمن غيره رغم أنها لا تعرفه معرفة شخصية.

وبهذا انتهت الرحلة التى بدأناها بين صفحات كتاب “صفحات من تجربتى”

 

صفحات من تجربتى “نحو الحلم”

فى المقال السابق حكيت لكم مقتطفات من طفولة المهندس عثمان أحمد عثمان، وكان تركيزى فيه على دور أمه فى صنعه ونجاحه. أما فى هذا المقال، فسوف ترون ثمرة غرس هذه الأم العظيمة، وذلك فى رحلة كفاح م/عثمان نحو تحقيق حلمه.

سوف أواصل رواية مقتطفات من حياة م/عثمان، وسوف أركز فى هذا المقال على مرحلة شبابه لأسوق لكم من خلالها عوامل نجاحه كما رأيتها واستنتجتها من بين صفحات حياته.

لقد كان من سمات م/عثمان ومهاراته التى كانت سبباً فى نجاحه قدرته على توفير المال وتحقيق الهدف بأقل التكاليف والإمكانيات المتاحة. وسوف أسوق فى هذا الصدد موقفين تتجلى فيهما هذه المهارة بوضوح، الأول من طفولته والآخر من شبابه:

الموقف الأول: كان الصبى عثمان يقوم بتنظيم المعسكرات لزملائه فى المدرسة، ويقسم الأدوار بينهم، ويحدد لكل منهم نوع الطعام الذى يأتى به. ولتوفير النفقات، كان يطلب من كل اثنين أن يركبا دراجة واحدة. كما كان يطلب من كل واحد أن يحضر سنارة ليصطادوا بها السمك الذى يحتفظون بجزء منه للغداء ويبادلون الجزء الآخر مع الفلاحين الموجودين بالمنطقة للحصول على ما يحتاجونه من خضروات وفاكهة. وكان يطلب من زملائه ألا يخبروا أهاليهم عن تلك المعسكرات، وبهذا تعلم كتمان السر وهو أمر أفاده كثيراً فى عمله لما تتطلبه العطاءات من كتمان شديد.

الموقف الثانى: كان م/ عثمان من سكان مدينة الإسماعيلية. وعندما التحق بكلية الهندسة بالقاهرة ذهب للإقامة مع أخته المتزوجة بباب الخلق. وفى يوم أعطته مائة وعشرين قرشاً ليستخرج اشتراكاً فى الترام بدلاً من شراء تذكرتين يومياً. ففكر هو فى شراء دراجة يستخدمها طوال سنوات الدراسة. وبهذا يوفر بذلك ثمن الاشتراك الذى سيضطر إلى تجديده كل عام ولا يضمن أن يكون قادراً على ذلك، ولا يثقل على أخته. سأل على ثمن الدراجة فوجدها بجنيهين، فسافر إلى الإسماعيلية وذهب إلى بعض أصحاب ورش الدراجات الذين يعرفهم وسألهم عن بعض قطع الدراجات التى لم يعودوا يستخدمونها، وقام بتجميع هذه المخلفات وصنع منها بنفسه دراجة دون أن يستعين بأى منهم حتى لا يتقاضوا منه أموالاً. ولم يكلفه ذلك أكثر من ستين قرشاً!

العامل الثانى لنجاح م/عثمان هو أنه كان يملك حلماً يؤمن به، وهناك مثل قديم يقول “ليس هناك على الأرض أقوى من رجل عاش من أجل فكرة”. يحكى ما قاله لأخيه إبراهيم عن حلمه: “كنت أحلم كلما كنت أذهب مع خالى إلى مواقع الشركات الأجنبية العملاقة فى منطقة القناة أن أكون  مقاولاً مثله، ولكن بنفس إمكانيات تلك الشركات” ويستطرد قائلاً: “وكان جميع العاملين فيها من المصريين، وكانت السيطرة للأجانب، لذلك قلت لنفسى وقتها لماذا لا يكون هناك مهندس مصرى يعمل مقاولاً يستثمر طاقات أبناء بلده لصالح بلده؟”

ولم يكن الأمر مجرد أحلاماً فى الخيال، ولكن كانت لديه رؤية واضحة مكنته من اتخاذ خطوات واقعية فى سبيل الوصول إلى هذا الحلم. فقد رأى م/عثمان أنه بحاجة إلى ثلاثة أشياء لكى يبدأ عمله  الخاص، وهى: العلم، والخبرة والمال. ولهذا، ذهب للعمل مع خاله بشركته ليكتسب الخبرة، ويجمع المال اللازم لبدء عمله الخاص. كان يعمل بلا حساب للوقت، وكل ما كان يحاسب نفسه عليه يومياً: ماذا أضاف إلى علمه وخبرته؟ كما كان أول من يذهب إلى موقع العمل منذ شروق الشمس وآخر من يغادره عند مغربها.

وعندما شعر أنه اكتسب ما يلزمه من خبرة ومال ليبدأ عمله الخاص، ترك العمل مع خاله وأسس شركته. فأين كان أول مقر لها؟ وماذا كان حجم مشروعاته الأولى؟ وكم كان عدد الموظفين؟ وكيف عرف الناس بشركته؟

وهنا مفتاح آخر للنجاح وهو البداية المتوضعة من أجل أحلام كبيرة، التدرج، الصبر. لقد كان أول مقر لشركة م/عثمان حجرة فى العيادة الخاصة بأحد أقارب والدته. وكان أول مكتب مصنوع من أخشاب اشتراها م/عثمان من مخلفات الجيش البريطانى، واستأجر نجارين لصنعه وشاركهما العمل لتخفيض التكاليف إلى أقل حد ممكن.

وكانت مشروعاته الأولى متواضعة وصغيرة الحجم، فقد كان يقبل بأى عمل متواضع (مثل إعداد رسم كروكى لدكان، وترميم بعض المنازل) وبأى مقابل مادى، بل كان يقوم ببعض الأعمال دون مقابل مادى أحياناً لأن أهم شئ عنده فى ذلك الوقت أن يبدأ مكتبه فى مزاولة نشاطه.

ولم يقتصر دوره فى الشركة على القيام بدور المهندس أو المدير للشركة فقط، فقد كان يقوم بترتيب وتنظيم العمل والإشراف على كل شئ بنفسه دون أن يساعده أحد. وكان يقوم بالإضافة إلى ذلك بدور السائق حتى علم الأسطى بهلول بنفسه قيادة السيارات والذى تولى العمل على اللورى ليبدأ م/عثمان فى تكوين أسطول النقل الخاص بشركته. كذلك كان يقوم بدور عامل النظافة حيث كان يقوم بتنظيف حجرة المكتب كل مساء بعد الانتهاء من العمل. كما كان يقوم بدور أى عامل يتخلف عن عمله.

وكان يخرج كل يوم يتجول فى الإسماعيلية فى المقاهى وأماكن التجمعات ليقدم نفسه للناس ويعرفهم بأنه بدأ مزاولة نشاطه فى المقاولات.  وطبعاً تعجب واعترض الكثيرون كيف يكون مهندساً مرموقاً ويترك هذه المكانة ليعمل مقاولاً، ولكنه الحلم ووضوح الرؤية..

فى المقال القادم إن شاء الله نستعرض مواقف ولمحات أخرى من حياة م/عثمان ومفاتيح أخرى من مفاتيح نجاحه.